عتاب الله سبحانه وتعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم كان واضحا وصريحا. وصار بعد ذلك قرآناً يتلى إلى يوم القيامة. قال تعالى {يا أيها النبي لمَ تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك والله غفور رحيم} التحريم 1 وقال {عبس وتولى أن جاءه الأعمى} عبس1 - 2 وقال (ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الحياة الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم) الأنفال 67 وقال سبحانه {استغفر لهم أو لاتستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم ذلك بأنهم كفروا بالله ورسوله والله لايهدي القوم الفاسقين} التوبة 80 وأمثلة أخرى كثيرة نقرأها في كتاب الله تعاتب الرسول صلى الله عليه وسلم. وهكذا يعاتب الله رسوله صلى الله عليه وسلم وهو النبي المرسل الذي لاينطق عن الهوى. وكلنا يعرف قصة عمر رضي الله عنه عندما حاول أن يحد من مهر الزواج في محاولة لتيسير الأمور على الشباب المسلمين. فقامت امرأة من عامة المسلمين واعترضت على خليفة المسلمين على الملأ: ياعمر ليس لك ذلك وقد قال الله تعالى {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا}. هنا يعلن عمر رضي الله عنه على الملأ أنه أخطأ وأصابت امرأة ويتراجع عن أمر هو بمثابة فتوى من الخليفة الثاني. إذا كانت هذه هي الحال مع الرسول المعصوم صلى الله عليه وسلم ومع صحبه الكرام، فإن غيره من البشر مهما بلغ علمهم أكثر احتمالا للخطأ ولا شك أولى أن تلفت أنظارهم إلى ما يبدر منهم من أخطاء. ولكن حدث أن ابتعد الناس عن هدي الله وسنة نبيه في هذا المجال وأصبح النقد والاعتراض والرد على صاحب الفتوى أو الرأي أمراً غير مقبول لديهم ومن هنا يحق لنا أن نتساءل من أين أتت في الثقافة الإسلامية عبارات تقديس البشر ورفعهم عن مستوى الخطأ والنقد. من أين أتت عبارات كعبارة «لحوم العلماء مسمومة» التي تستخدم للحجر على الناس وكتم أصواتهم. هي بلا شك بدع لم يقل بها الله سبحانه ولا رسوله صلى الله عليه وسلم. ومن أين أتت عبارات يكثر منها أصحابها كقولهم من أنت حتى تعترض. ومن أنت حتى تنكر على فلان. وما مؤهلاتك التي تخولك بأن تقول ماقلت. ترى لو كان هؤلاء على كثرتهم موجودين عندما اعترضت المرأة على عمر علانية وفي المسجد وبملء فيها ماذا كان سيصدر منهم بحقها. على أقل تقدير سيطالها منهم التعنيف والاستهزاء وسيأمرونها بأن تقرّ في بيتها وتدع ذلك للجهابذة ممن يريدون أن يقعدوا مقعداً لم يسبقهم إليه أحد. مقعد المنزه عن النقد وعن التقييم. ولعل هذا البدع هو السبب في أخطاء تكررت ثم تقادم عليها الزمن إلى أن أدركنا خطأها وحلت محلها أخرى. لن يستقيم المسلمون إلا بالتقييم الذي مر على الرسول صلى الله عليه وسلم ومر على صحبه من بعده، ولا بد أن يمر على المعاصرين واللاحقين.