أنا لغتي لم تلتفت للغبار.. لم تخش الرياح.. ولا أكلت فوق طاولة المترفين.. أنا لغتي ما تزيّت بنسيج الشرنقة.. ولا احترقت كجناح فراشة.. ولا حامت حول ضوء.. أنا لغتي من قاع البئر لقرع الرعد امتشقَتْ زُنَّارها انطلقت من خاصرة الرغيف.. لدولبة الطاحونة.. لأبعاد حلم المساكين الخائفين.. من ندوب جباه الكادحين.. وقهر المسلوبين.. وآهة ثكالى هناءة البائسين.. وكلاحة ملامح الجائعين.. أنا لغتي كتبتها في اللّوح الأغر على ثغور البلاد الفاضلة.. تجوب مفازات أنين شرايين المدن الحزينة.. تكتحل من نسيح ليل الغرباء.. لغتي هي سيفي الباترُ فظاظةَ الحنظل في مزارع الشرهين.. مُديَّتي الموغلة في ثرى الحافرين براكين النتن.. لغتي راياتي ترف على طمأنينة العزَّل.. لغتي نصري في ساحات كفاح النافرين للشفاء .. وجلجلة مدفعي في عصب الطاغين في الإيذاء.. لغتي لوني الأشهب كحنطة الصحراء.. وقبضتي النازلة بلا رحمة على الأعداء لغتي يداي الممتدتان لحمامات السلام في مضامير الأمان حين أموت لغتي الفداء.. وحين أبقى فلغتي الوفاء..! *** مجرّد صياغة لكلمات لم تنزل في سمعي فقط، بل في محبرتي لتصبح نسيجاً من الفرح، الدمع، النبض، الإحساس بشباب في مقتبل العمر، وهم يودّعون أمهاتهم بوهج اللغة التي تحوّلت من ألسنتهم بكل سلامة فيهم لأفعال، وهم يتجهون للحدود الجنوبية، ولساحات الأمن في طحين الوطن، ولثغور كل الطرقات والزوايا وشرانق الدروب.