أجمل من يبتسم هم الأطفال.. حتى وإن مثلوها تظل صفاء لازبًا بذواتهم الأمّارة بالطُهر.. فكيف إذا صدرت منهم عفوًا بلا منّ وارتياب.. إن الابتسامة قرينة الولادة- فالصرخة الأولى (أو الصمت الأول) هي شكل من أشكال الابتسامات- وتتمرحل عُمريًا بين خبوت وتوقد.. ونحن مَن نهزم ظروف الحياة بها... إن ابتسامة الرضيع جاذبة بلا استئذان وبلا أسنان.. وآسرة حين تتبدى النواجذ وتكتمل لواحقها انشقاقًا واصطفافًا وافتراقًا.. ونحن بأسنان كبار قد نبخل عن أنفسنا ابتداء وعن غيرنا انتهاء بتكشير يسر ذواتنا وسائر أعضائنا ومَن حولنا بغض النظر عن سوأة الأسنان أو حُسنها..! الابتسامة كبسولة السعادة سواء صدرت منا إن صدقًا وإن كذبًا.. بتكلف ظاهر.. أو بتعفف مُستتر.. أو بشغف سادر حائر.. إن الابتسام يُغذي فينا مشاعر الفأل ويُهاجم حمم الطّيرة.. فننظر للحياة بنظرة إيجابية تستوعب الألوان لتكون أنفسنا أهدأ وحياتنا أهنأ..! قد تُرهقنا الحياة بمزاجية ظروفها التي تلبسنا كدرًا وكبدًا.. ولا مناص إلا أن نُعاندها بزلال الابتسامة وندكها بزلزالها وجلالها.. فقد يجيء من يبتسم لمن لا يبتسم فيبتسم.. لأن الابتسام فعل يتعدى بنفسه وبغيره.. ويقبل القسمة على الأفراد والحشود.. فالابتسامة مهارة اتصال لا انفصال..! إياكم أن تحقنوا مُهج الابتسام بإبر تحيلها إلى عبوس.. فتجاعيد الفأل أعظم من تجاعيد اليأس مهما تعربد الحال وساء..! حاربوا بعض الضحكات السافرات بابتسمات معتدلات تغيظ أصحابها.. فمهما شنت الحياة عليكم حربها بوبرها ومدرها.. أعدوا لها ما استطعتم من ابتسام يصيّرها من هموم إلى همم ومن عقوق إلى حقوق وتوق.. ومن قيد إلى امتداد..! ابتسموا في أسوأ حالاتكم تنفرج زوايا ثقال ترهقكم.. وتذكروا أن بعد العسر يسرًا ويُسرين وثلاثة وأربعة... وأخلصوا للابتسام في الفرح ولا تتوجسوا خيفة تبدل الحال بالضد.. ابتسموا واعتدلوا وسووا صفوف الفأل ولا تسرفوا فللابتسام فقه.. ولا يغرنكم تملق بعضكم لدق أجراسها لمآرب شتى.. فالأيام بينكم وسيعلم كل من توارى خلفها أي سوأة ستتعرى..وأي عُرى ستتهاوى..! على قدر الابتسام يكون الحذر.. فمن مأمنه قد يؤذي ويؤذي.. تمرسوا الابتسام لا الافتراس.. فهي بئر خير لا حفر شر.. دربوا أنفسكم على البسمة لتألفكم وتألفوها.. تغدو سبلكم فيما بينكم فجاجًا وثجاجًا.. لا تغتربوا عنها فتنكركم –وهي لكم على وجل- لتستبينوا اهتمامها لكم وسؤالاتها عنكم في مفترق طرق أيامكم ومآلاتكم..! إن شطر الحياة إقامة الابتسامة وشطرها الآخر تسليمة الرضا.. فما قُرن ابتسام إلا برضا عدا الابتسامة الغضبى والثكلى.. والمشتبه فيها والمُختلف حولها..! الابتسامة شفاء لا شقاء.. عطاء لا غِطاء.. مِنْ لا مَنّ.. اقتفاء أثر واقتداء مسير..فالابتسام -بحسب مستويات بلاغته- قد يرمم جرحًا.. وقد يفتق رتقًا.. ويبني فألا وأملا ويهدم يأسًا.. ويهب طوبًا وفولاذًا.. وإخلاصًا وخلاصًا.. وتحررًا وحريرًا..! عيشوا الإيجابية وتعايشوها إذا تعاسرتم فيما بينكم..صلوها تصلكم.. اقتحموها تدك حصون العسر دكًا.. بالابتسامة تستقيم أموركم.. وتنعم حياتكم.. وتعقم أحزانكم..! اتخذوا الابتسام دستورًا والاعتدال مبدأ.. فالوسطية شرعة ومنهاجًا ومشكاة تربية في كل زمان ومكان.. فاستوصوا بها خيرًا تنالوا بركة الأشياء.. والتفوا حولها تتبينوا سموها..! ابتسموا شرط ألا تجرحوا أحدًا بها.. اختاروا وقتها.. فهي رسول بِشر لكم لا تسور شجار بينكم..فالابتسامة امتداد لا استبداد.. فظروف المحيطين أمامكم تختلف وقد تأتلف.. كونوا فقهاء في تسريحها بإحسان أو إمساكها بمعروف.. فتلك أسمى معاني البلاغة الاجتماعية والحياتية.. ! إياك أن تكون فقيرًا وأنت تهبها لأحد.. وإياك أن تتسلط بها على أحد لحاجات نفس.. فحين تُعطي أغدق وألزم عليك نفسك ابتداء لينتقل الأثر تباعًا وينتشر امتدادا بلا تناقض يُربك المتلقي..ويفقده ثقة ابتسامتك فيسطو على نواياك..ويرتابك في كُلٍ..! جاهد نفسك أن تكون متماسكا حين تخونك فروج الأصابع..فجاهد أن تبتسم ونفسك تتساقط حزنًا وتتمزق ألمًا ويأسًا.. ابتسم فالابتسامة تجر الابتسامات.. ابتسم فكرًا وشعورًا تبتسم سلوكا ظاهرًا.. ابتسم فالابتسام خلق نبوي يجذب محبة الناس لك..! الابتسامة بلاغة اجتماعية نفسية ونفيسة.. أثرها متعدٍ.. وأصلها ثابتٌ فيك – إذا اشتهيت – ومنك ينطلق – إذا رغبت – وفروعها جذور تمتد..وبذور تظهر حصيدًا فيمن حولك..! أضعف الإيمان أن تبتسم حتى وإن كانت أسنانك عاجية بالاصفرار.. فابتسامة المرضى نصف الشفاء.! لا تؤذ أحدا بابتسامتك..لاتؤذ نفسك بها.. لا تؤذ الآخرين بها.. لا تؤذ الآخرين بهمومك وعبوسك.. فكل فيه ما يكفي وربما أضعاف ما فيك.. ولو اطلعت على سرائرهم لهدأت وحمدت الله على ابتلاءاتك! ابتسموا تصحوا.. واعبسوا تسؤوا.. ابتمسوا تسروا وتذهب ريح أوجاعكم.. ابتسموا يتبدل الحال لمآل أجمل.. وقطبوا يستبد الحال ويسير المآل على مهل..! تذكروا: «لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تُحبون».. فلتكن صاحبة الجلالة (الابتسامة).. هي مما تحبون.. فأنفقوها تنالوا فوق ما تحبون أضعافًا.. وشتان بين إنفاق لها ونفاق بها..! وبعد السلام وقبل الختام: لا إكراه في الابتسامة.. غير أن: «كان ضحكه تبسما».. «ولا رآني إلا تبسم في وجهي» و» تبسمك في وجه أخيك صدقة»..تجعلك لا تتجهم أبدًا.. فابتسم تنل صدقة تنداح بهجة على أنفس عطشى وملآى.. وأخرى مبتلة بطين الحياة..!