أكثر ما يؤلم الإنسان في هذه الدنيا هو «فراق الأحبة»، كالوالدين أو قريب حبيب إلى نفسك ولاسيما إذا كان صاحب فضل ومعروف، وخاصة إذا كان هذا القريب ملء السمع والبصر بالنسبة لك، حيث يمر الإنسان بفترة من الذهول وعدم التصديق بالأمر الواقع ولكن يبقى الإيمان بالقدر خيره وشره هو المطمئن للنفس حتى تتيقن بما حدث وتسترجع وتدعو له بالرحمة والغفران. أقول هذا في ذكرى أخي الحبيب الغالي عبدالله بن صالح العبدالله العريني الذي فقدناه قبل عامين في السابع من شهر رمضان المبارك عام 1434ه وهو شقيقي الأكبر وأستاذي والذي كانت وفاته بسبب مرض مفاجئ لم يمهله طويلاً، وتقبله صابراً وراضياً ومحتسباً. ولد رحمه الله وترعرع في محافظة رياض الخبراء، ودرس المرحلة الابتدائية فيها ثم انتقل إلى بريدة وأكمل دراسته في المعهد العلمي وبعدها انتقل للرياض وواصل دراسته في كلية اللغة العربية. وخلال دراسته الجامعية كان متزوجاً وموظفاً في وزارة الإعلام وترقى حتى عمل مديراً لإدارة الرخص في وزارة الإعلام، وكما أكرمه الله بأن عمل مديراً لفرع وزارة الإعلام في مكةالمكرمة لمدة ثلاث سنوات، وكان الأخ عبدالله عصاميا ومكافحاً، بنى مستقبله بنفسه حتى وصل إلى مبتغاه بفضل من الله ثم بجهوده ومثابرته وصبره. وكان باراً بوالديه رحمهم الله جميعاً إلى أقصى درجات البر يدعمهما بكل ما يستطيع ويتابع شئونهم وينجز لهم أعمالهم وكثير التواصل معهم وزيارتهم ووفقه الله بتحجيجهم والعمرة معهم مرات عديدة، وكان بالنسبة لإخوته وأخواته مدرساً وموجهاً ومُلهماً ومعيناً شجعنا على إكمال دراساتنا وساعدنا في بناء مستقبلنا، وبعدها كان متابعاً لكل كبيرة وصغيرة في شئوننا يعطي الرأي والتوجيه الذي كان حكيماً في غالب أحواله ولا يفرضه علينا بتاتاً. وكان واصلاً لرحمه يتلمس شئونهم واحتياجاتهم ويقضي لهم حاجاتهم قدر استطاعته حباً بخدمتهم وراحتهم ووفقه الله بأن قام بتحجيج بعضاً منهم. وخلال عمله في وزارة الإعلام وبعد تقاعده كان محباً لعمارة المساجد وقلبه معلق بها حيث اشرف على بناء الكثير من المساجد له ولوالديه ودعمهما بالمال والجهد وبدون مقابل بل لوجه الله تعالى وابتغاء الآخرة. وفي الجانب الآخركان شغوفاً بالقراءة إلى حد كبير ومثقفاً عالياً وخصوصاً في الدين والعقيدة والأدب العربي والتاريخ ومكتبته رحمه الله زاخرةً بهذه الكتب، وكان لا يكاد يمر يوم عليه دون قراءة، هذا بالإضافة إلى متابعته للمجلات الأدبية والعلمية والصحف المحلية، وسافر كثيراً داخل المملكة وخارجها مما اكسبه خبرة ومعرفة وثقافة. وبفضل الله رزقه زوجة «ابنة عمه محمد» والتي كانت صبورة ووفية له ومحبة للخير ومُعينة له ووقفت بجانبه وساعدته في بناء أسرته ومستقبله، وكما رزقه الله أبناء وبنات صالحين وفالحين بررة أكملوا دراساتهم الجامعية والدراسات العليا من دكتوراه وماجستير وغيرها. أخي الحبيب أبا صالح، أنك معنا ولم تفارقنا حيث نتذكرك دائماً ولا تغيب عنا، نتذكر نصحك وتوجيهاتك وكلماتك وكأنك بيننا، وإننا على وعدنا لك بالتواصل والتراحم وعلى طريق الخير سائرون بعون من الله وتوفيقاً. اللهم اغفر لأخي عبدالله وتجاوز عنه وارحمه وانزله الفردوس الأعلى من الجنة ووالديّ ووالديكم وجميع موتى المسلمين يا رب العالمين.