في مطلع هذا الأسبوع أعلنت مصلحة الإحصاءات العامة انخفاض نسبة البطالة بصورة ملحوظة مقارنة بآخر المسوحات وقد احتفلت بذلك وزارة العمل، كونه يدعم إجراءاتها المثيرة للجدل لعلاج البطالة، والبطالة مصطلح اقتصادي يطلق على حالة شح فرص العمل وتزايد الباحثين عن عمل في المجتمع، ولها أسباب مالم تعالج فإن أي إجراء مهما بلغت كفاءته لن يكون سوى مخفف للظاهرة، وفي مقالي اليوم سأناقش أسباب البطالة من وجهة نظري وربما في مقال لاحق سأناقش علاج تلك الأسباب. للبطالة أسباب كثيرة بعضها أكثر أثراً من البعض ولكن لكل منها أثره البارز في نشوئها، ويمكن تصنيف أسباب البطالة في ثلاثة فئات تتمثل في التالي: 1 - أسباب تتعلق بهيكلية الاقتصاد يعتمد الاقتصاد السعودي في مجملة على ما تدره عوائد البترول والتي تمول النشاط الاقتصادي من خلال قناة المشتريات الحكومية والمشاريع، وقناة الإنفاق الجمعي لموظفي الدولة ومن يعتمد عليها في دخله، لذا نجد أن أكثر النشاطات الاقتصادية تتمثل في القطاع المالي وتجارة التجزئة والمقاولات، وتكاد تشكل هذه القطاعات معظم مجمل الناتج المحلي، لذا فالوظائف التي تخلقها هذه القطاعات عدا القطاع المالي هي وظائف تشغيلية في معظمها ومتدنية العوائد المالية لما لها من تأثير في تنافسية القطاعات، ولكونها كذلك، فهي ضعيفة الحاجة للتأهيل التقني والمعرفي، لذا نجد أكثر شاغليها من العمالة الوافدة، وهو ما يجعل هذه النوع من الوظائف خارج وعاء الوظائف المحفزة لتوظيف المواطنين، هذا الوضع يسبب بطالة نوعية حيث لا يجد كثير من المؤهلين فرصاً تناسب تأهيلهم لأن الاقتصاد شحيح في خلق تلك الوظائف. ولكون معظم القطاعات الاقتصادية قد اعتادت الاستقدام من الخارج لشغل وظائفها الشاغرة فقد بنيت معظم هياكلها على وظائف تعتمد التأهيل والخبرة، مما جعلها غير قادرة على استيعاب المستجدين في العمل والذين يمثلون معظم المواطنين الطالبين للعمل. 2 - أسباب تتعلق بلياقة المجتمع التشغيلية لكل مجتمع سمات وطبائع تقود أفراده لسلوك يتسق مع الأعراف و العادات السائدة في المجمتع، والمجتمع السعودي لازال في مرحلة انتقالية من المجتمع الرعوي، حيث لازال أسيراً لكثير من القيم التي تحد من فاعليته الإنتاجية، فعلاقة العامل بصاحب العمل لازالت تخضع لمفاهيم الإذعان القسري، وهو ما يفسر إحجام كثير من المواطنين عن الوظائف التشغيلية، أو تلك الوظائف التي يرأسها وافدون، وهذا السبب أيضا هو ما يجعل كثير من المواطنين يتخلى عن العمل بمجرد حدوث اصطدام مع الرئيس المباشر ولو كان عرضياً، هذا الواقع يجعل كثيراً من أصحاب الأعمال يتحاشى توظيف المواطنين في مثل هذه الأعمال للقناعة المسبقة بأن المواطن لن يقبل العمل وإذا قبل لن يكون متناغماً مع مجموعته وبالتالي سيتسرب لمكان آخر مما يسبب هدراً في تكاليف التوظيف والتهيئة. 3 - أسباب تتعلق بكفاءة قنوات التوظيف والقوانين المنظمة للعمل اعتمد الاقتصاد السعودي عند انطلاقته في طفرته الأولى في سبعينات القرن الماضي على العمالة الوافدة، ومنذ ذلك الحين وهو أسير لهذه الحالة، بحيث أصبحت مؤسسات القطاع الخاص تعتمد على قنوات استقدام تلك العمالة مع جهد محدود في استقطاب الكفاءات المحلية، ومع نشوء عدد من مكاتب التوظيف الأهلية إلا أن معظمها لم يحالفه النجاح لضعف القدرة الفنية أو محدودية التمويل، وفي مجملها تعاني مكاتب التوظيف الأهلية من ضعف العلاقة التنظيمية بينها وبين أصحاب الأعمال، وعدم دعم وزارة العمل لهذه المكاتب لتقوم بدور فعال في ظل ضعف قدرة مكاتب التوظيف التابعة للوزارة، هذا إلى جانب أن نظام الكفالة لا زال يمثل أكبر محفز لمؤسسات القطاع الخاص في توظيف الوافدين لما يمكن صاحب العمل من السيطرة التامة على خيارات العامل، وبالتالي يمثل ذلك له ميزة تفضله مقارنة بالعامل المواطن. هذه الأسباب إن لم تعالج بصورة إستراتيجية فستستمر معاناة المواطن المستجد في طلب العمل وستتفاقم البطالة بين الجنسين، فخريجو الجامعات في نمو مطرد لا يماثله نمو في فرص العمل سواء في الوظائف الجديدة أو تلك التي تستهدف بالأحلال وستستمر معاناة القطاعات الاقتصادية من إجراءات وزارة العمل التي تتعقد يوماً بعد يوم دون نتيجة ملموسة في وضع علاج ناجع للبطالة.