تشهد هذه البلاد المباركة - بحمد الله - نهضة شاملة في مجالات عدة، سواء أكانت اقتصادية أو معرفية أو تقنية وغيرها من المجالات، وهي تسير - بحمد الله - في رخاء وأمان منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز - رحمه الله - وأبنائه حتى عهد الملك سلمان بن عبدالعزيز أحد المساهمين في نهضة العاصمة، إذ كان أميراً لها منذ أكثر من خمسين عاماً، منذ أن كانت بيوتها طيناً وشوارعها صغيرة وغير معبدة، فازدهرت حتى وصلت إلى عاصمة كبيرة كل يوم تتجدد وتزدان. وتزامن مع هذا الازدهار والتمدد التي تشهده عاصمة بلادنا الحبيبة وبعض مدننا في المملكة، فقد شهدت كثافة سكانية عالية بسبب ما تحويه من جامعات ووزارات وفرص عمل ومحلات تجارية، وانعكس ذلك على حركة المرور، إذ تشهد منذ سنوات طويلة ازدحاماً شديداً في كل الطرق الرئيسة من جميع الاتجاهات، لذلك دعت الحاجة إلى إنشاء مشروع الملك عبدالعزيز للنقل العام، والذي من خلاله بدأت أعمال التخطيط والحفر لوضع أسس قطار الرياض، والذي يقطع شمال الرياض بجنوبها، ومن شرقها إلى غربها، مروراً بمحطات مهمة مثل المطار والوزارات والجامعات وغيرها من الأماكن المهمة. ولكن المشكلة في ما سببه هذا المشروع من ازدحام مروري أكثر من السابق، وأدى إلى تأثر حركة المرور في الأماكن التي تحفر الآن، وتتضاعف المشكلة ما إن علمنا أن مدة المشروع تقارب 4 أعوام، مما يعني تزايد الكثافة وتضخمها عاماً بعد آخر، بالنظر إلى ازدياد عدد السكان وكثرة طلاب الجامعة مستخدمي السيارات في تنقلاتهم، وزاد الأمر سوءاً غياب الحافلات ووسائل النقل المساعدة. ومن الأسباب التي تؤثر كذلك في مشكلة الازدحام المروري: قصور في ثقافة المجتمع، وقصور في ثقافة قائد المركبة، المخالفات المرورية المتعددة والمستمرة، قلة كلفة الوقود، كثرة سيارات الأجرة وعدم تنظيم سوقها، العمل على فترتين لدى بعض شركات القطاع الخاص، كثرة العمالة الوافدة وسهولة الحصول على المركبة. ومن هنا قدح في الذهن أفكار عدة يمكن أن تساعد في تخفيف الازدحام المروري، وكلها سبق تنفيذها عالمياً وأثبتت فعاليتها، من أبرزها فكرة الرديف أو CarPool وهو حل غير مكلف ومطبق في كثير من دول العالم المتقدم، حيث يقوم أفراد المجتمع بالتنسيق فيما بينهم في مشاركة المركبة ذهاباً وإياباً لرحلاتهم الترددية، أثبتت هذه الطريقة نجاحها، ولازالت تستخدم حتى اليوم ولها نتائجها الإيجابية الكثيرة. ومصطلح (الرديف) أُخذ من حديث شريف، فعن معاذ بن جبل قال: كنت رديف النبى صلى الله عليه وسلم على حمار فقال لي: يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد، وما حق العباد على الله؟ قلت: الله ورسوله أعلم. قال: حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئاً، قلت: يا رسول الله أفلا أبشر الناس؟ قال: لا تبشرهم فيتكلوا». أخرجاه في الصحيحين. وتحتاج فكرة الرديف إلى تسويقها ثقافياً واجتماعياً، وإبراز أثرها الإيجابي في تخفيف حركة المرور، كما أنها تحتاج إلى تسويق ودعم تقني من إنشاء موقع إلكتروني، أو تطبيق على الهاتف الجوال للتنسيق بين الركاب وتحديد الوجهات ليسهل اصطحاب الركاب من نقاط محددة، ولذلك تظهر الحاجة ماسة للقيام بحملة تثقيفية لتسويق هذه الفكرة للمجتمع. وبالنظر إلى تجارب غاب عنها المشروع الثقافي هو (ساهر)، فرغم ما يقدمه من خدمة فعالة ومهمة وفكرتها مطبقة عالمياً إلا أن عدم التثقيف جعل منه مرمى لسهام الانتقاد والممانعة وعدم الرضا، ولذلك فإن تطبيق أي فكرة ومنها (الرديف) يحتاج إلى القيام بحملة تثقيفية توعوية شاملة ونافذة، وهي تشمل بالتعريف عن النظام المقدم وكل متطلباته وأنظمته، وما يترتب عليها من مخالفات وجزاءات، كما تبين ما في الحملة من جوانب إيجابية من كل الجوانب سواء الاجتماعية أو البيئية أو الرسمية. ونجاح هذا المشروع يعتمد كثيراً على التقنية، وخصوصاً مع انتشار الأجهزة الذكية وسهولة التواصل الرقمي، فيجب أن يكون هناك نظام متكامل يوفر كل الخدمات التي يحتاجها أصحاب الرحلات الترددية في محطاتهم اليومية، ويوفر النظام المقترح الخدمات كافة سواء على الموقع الإلكتروني أو تطبيق على الأجهزة الكفية، ويخضع للتحديث والتطوير الدائم والدعم الفني. ولنجاح هذا المشروع يحتاج إلى التحفيز والمكافآت، فيمكن أن تقدم بعض الحوافز للمشاركين في هذا المشروع تتمثل في إضافة إجازة يوم كل شهر، أو أن تحسب نقاط للترقيات والعلاوات السنوية أو الانتدابات، تكون نقاطاً إضافية كذلك للدورات التدريبية وهكذا. وعندما يكون هناك تشريع ونظام فمن المتوقع أن تكون هناك تجاوزات ومخالفات من مستخدمي هذا النظام؛ كونها طبيعة بشرية، فلابد من سن نظام المخالفات وبناء عليه تأتي العقوبات والغرامات المترتبة عليه، وربما أن يتم تفعيل المخالفات في مراحل لاحقة وبخطوات محددة. للاستفادة القصوى من هذه التجربة بالنظر إلى التجارب العالمية، فإنه يمكن البدء في تطبيق النظام على الطرق السريعة داخل المدينة، ويكون ذلك في ساعات الذروة (للذهاب إلى العمل والعودة منه)، ويكون ذلك عبر مسارات معينة على طول الطريق، وعلى أن يطبق النظام على قائدي السيارات كافة، من موظفين حكوميين وقطاع خاص، والتعليم سواء أكانوا طلاباً أم منسوبين، ويستثنى من هذا النظام مَن يحملون تصاريح مرور لأسباب تؤهلهم لها. وسيؤدي هذا الحل إلى الحد من الازدحام وتقليل الرحلات اليومية الترددية من 10% إلى 30% تقريباً. ولتحقيق هدف تخفيف الازدحام يجب النظر إلى العوامل المؤثرة، فمنها طبيعة عمل القطاع الخاص وأهمية توحيد أوقات العمل، فهناك الكثير من مؤسسات القطاع الخاص تعمل بنظام الفترتين، وهذا النظام له العديد من السلبيات فضلاً عن ازدحام الطرق، لذلك لابد من سن نظام موحد لعمل القطاع الخاص لفترة واحدة لا تتزامن مع القطاع الحكومي أو التعليمي، وهنا ربما استفدنا من تجربة البنوك حيث العمل لفترة واحدة من الساعة التاسعة صباحاً وحتى الخامسة مساءً. كما أن سوق سيارات الأجرة يتطلب مزيداً من التنظيم كونهم عاملاً مؤثراً في زيادة الازدحام حيث التجول والبحث عن الركاب، وتسببهم في الكثير من الحوادث المرورية والتي تؤدي إلى الازدحام والاختناق، كما يؤدي كثرة التجول في الطرق إلى التلوث البيئي واستنزاف الموارد، وكما ذكر أعلاه أدى انخفاض تكلفة الوقود إلى استسهال القيادة والتنقل بكثرة، كما أن سوق سيارات الأجرة يغرق بالشركات التي تعمل بلا ضوابط، لذلك يجب العمل بجدية في تنظيم السوق وسن العديد من التشريعات والأنظمة الملائمة كما هو مطبق في كثير من دول العالم، كالطلب من خلال الهاتف، أو الاستعانة بتطبيقات الأجهزة الذكية لطلب سيارات الأجرة والتي تحدد أماكنهم ومعلومات عنهم. وأخيراً.. كما يقال ويتداول أننا في المملكة لدينا الكثير من الأنظمة والتشريعات، ولكن المشكلة تكمن في التطبيق، ولابد من العمل بجد وأخذ زمام المبادرة في تطبيق الأنظمة المرورية على قائدي المركبات كافة من أجل التصحيح لا التحصيل، فعندما تصحح كثير من المخالفات لابد وأن ينعكس ذلك على السلامة المرورية وتقليل الزحام، فنجد الكثير من السلوكيات من مثل: تغيير الاتجاه عند الإشارة من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، وسلوك بعض السائقين في التنقل بين المسارات لتفادي الزحام دون مراعاة لآداب الطريق والآخرين، وكذلك الدخول الاعتراضي وعدم إيقاف السيارة في الأماكن المخصصة بشكل مناسب، أو حتى السير بسرعات منخفضة في المسارات السريعة، واتخاذ القرارات المفاجئة أثناء القيادة ومنها الانحراف بشدة ليدخل إحدى المخارج... وغيرها الكثير من السلوكيات التي تتطلب فرض أنظمة وتوفير خيارات بديلة للسائقين مع أهمية خلق هذه الثقافة الجديدة، والتعاون لتسهيل مشروعات النقل الجديدة التي نسأل الله أن تتم على خير وأفضل حال وتكون داعمة لتسهيل حركة المرور وراحة السكان. وفي الختام ثم بعون الله تعالى نحسب أن هذا المشروع سيادي ومهم ويلمس مصلحة كل فرد من أفراد المجتمع، ويقضي -بإذن الله تعالى- على ظاهرة الزحام التي أرقت الجميع وكلفت الكثير، ومن دون كلفة تذكر أو وقت كبير للتنفيذ.