الديوان الملكي: وفاة والدة صاحبة السمو الملكي الأميرة فهده بنت فهد بن خالد بن ناصر بن عبدالعزيز آل سعود    متعب بن مشعل يحضر ختام مهرجان زيتون الجوف    "ملكية مكة المكرمة والمشاعر" تشارك في مؤتمر ومعرض الحج    الطائرة الإغاثية التاسعة تصل مطار دمشق    فالفيردي : سنلعب بعقلية الفوز .. و"بيدري": الكلاسيكو يمنحنا الحماس لتحقيق اللقب    القيادة تهنئ سلطان عُمان    خير المملكة.. دعمٌ مستمر    الشيخ علي بن نوح.. إلى رحمة الله    عشرة فائزين ب"جائزة صيتة" في العمل الاجتماعي    «اسلم وسلّم».. توعية سائقي الدرّاجات    نائب أمير حائل يستقبل رئيس "مُحكم لتعليم القرآن"    خطيب المسجد الحرام: امتثلوا للأوامر واجتنبوا الكبائر    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالتخصصي ينهي معاناة شاب كويتي مع الجنف المضاعف    نائب رئيس مجلس الوزراء وزير خارجية الإمارات يصل إلى الرياض    فحص الزواج غير مطابق ولكن قيس يريد ليلى    المكسيك ترسل أفراد إطفاء إلى أمريكا للمساعدة في إخماد حرائق كاليفورنيا    ضبط يمنيين في جازان لترويجهما (56) كجم "حشيش"    إحباط هجوم داعش يؤكد جدية القيادة السورية في مكافحة الإرهاب    السودان يقف في ظل صراع غير منتهٍ    الفهود تسقط النمور    رابطة العالم الإسلامي تطلق من إسلام آباد «مبادرة تعليم الفتيات في المجتمعات المسلمة»    التعاون يتغلّب على القادسية بثلاثية في دوري روشن للمحترفين    القبض على 7 وافدين ظهروا بمشاجرة في عسير    المملكة تدين الهجوم الذي استهدف القصر الرئاسي في عاصمة تشاد    للمملكة أهداف أنبل وغايات أكبر    لقاح الإنفلونزا والغذاء الصحي.. نصائح مهمة للوقاية من نزلات البرد    الطرق تشدد على معايير تصميم الإنارة    الإمارات ولبنان يتفقان على إعادة فتح سفارة أبوظبي في بيروت    الأزمات.. بين الانتهازية والإنسانية !    رقم قياسي جديد لموسم الرياض بأكثر من 16 مليون زائر    الشاب "موسى النجم" يدخل "القفص الذهبي"    تشييع الحربي صاحب ال 50 حجة في مقبرة الوجه    «ضاع قلبي في جدة».. نوال الكويتية ورابح صقر يشعلان ليل العروس بحضور جماهيري كبير    المنافذ الجمركية تسجل أكثر من 1900 حالة ضبط خلال أسبوع    فريق جامعة المؤسس يحقق بطولة السلة للجامعات    10 مليارات لتفعيل الحوافز المعيارية للصناعيين    انطلاق ملتقى " إضاءة عسير " الاثنين القادم    تعددية الأعراق والألوان تتوحد معك    نادي جازان الأدبي يكرم الزميلة خلود النبهان    وكيل "الشؤون الإسلامية" للمشروعات والصيانة: تدشين الأدلة الفنية للمساجد إنجاز نوعي برؤية شاملة ومعايير عالمية    أكثر من 300 جلسة رئيسية في النسخة الثالثة من قمة المليار متابع    «الضباب» يحوّل رحلة ليفربول إلى كابوس    خالد عبدالرحمن ل«عكاظ»: جمعنا أكثر من 10 قصائد وننوي طرح ألبومين سامريات    القائد الذي ألهمنا وأعاد لنا الثقة بأنفسنا    ابعد عن الشر وغني له    "النقد الدولي" يتوقع استقرار النمو العالمي في 2025    أمين الطائف هدفنا بالأمانة الانتقال بالمشاركة المجتمعية للاحترافية    هاو لم يفقد الأمل في بقاء دوبرافكا مع نيوكاسل    ما بين الجمال والأذية.. العدار تزهر بألوانها الوردية    "لوريل ريفر"، "سييرا ليون"، و"رومانتيك واريور" مرشحون لشرف الفوز بلقب السباق الأغلى في العالم    «الغذاء والدواء» تحذّر من منتج لحم بقري لتلوثه ببكتيريا اللستيريا    بالشرقية .. جمعية الذوق العام تنظم مسيرة "اسلم وسلّم"    خطيب المسجد الحرام: قيدوا ألسنتكم عن الوقيعة في الأعراض    محافظ الطائف يستأنف جولاته ل«السيل والعطيف» ويطّلع على «التنموي والميقات»    مركز إكثار وصون النمر العربي في العُلا يحصل على اعتماد دولي    إطلاق كائنات مهددة بالانقراض في محمية الإمام تركي بن عبدالله    نائب أمير تبوك يطلع على مؤشرات أداء الخدمات الصحية    مجموعة (لمسة وفاء) تزور بدر العباسي للإطمئنان عليه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يا عبادي فاتقون
نشر في الجزيرة يوم 03 - 04 - 2015

الله تبارك وتعالى أنزل القرآن ليتدبر الناس آياته، وليتذكر أولو الألباب، ومن تأمل سور القرآن وجد في كل سورة منها لطائف وإشارات تهديه إلى رشد، وترشده إلى هداية، وأنت -أيها المسلم- إذا تلوتَ -مثلاً- سورة الزمر، وأمعنت فيها النظر، وأنعمت فيها الفكر، ترى أن قلبك يتفتح فيها على نداء ندي عطر زكي، تجد فيه نفسك وقد سمت إلى مقام علي، واطمأنت إلى جوار الرب العظيم، ووجدت فيه الصفاء والتكريم.
نداء من الله {يَا عِبَادِيَ } تكرر أربع مرات في هذه السورة،{يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ} {يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ}، {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ * قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ}.
أيها الأحبة: إن هذا النداء {يَا عِبَادِيَ} ليبدو فيه اللطف البالغ، والعناية الكاملة والتشريف، إنها روح تسري في شعاب النفوس، وتفتح المشاعر وتقودها إلى باريها، حتى لا تبتعد عن حظيرته، ولا تخرج من حدود شريعته، ولا تتيه وراء الدعاة الآخرين، وأصوات الضالين والمضللين.
كم شخص اهتزت أعطافه بنسبته إلى رفات جده الماجد، وإلى عظام أصله القويم، وإلى ما مضى في سلسلته النَّسَبية من الشرف والمجد، وكم من فرد اهتز لتقريب رئيسه له، وذكره لاسمه أمام الآخرين، وكم يود البشر أن يتقربوا من ذوي المكانة في المجتمع، لعلمهم أو لجاههم وسلطانهم.
تنظر في هذه المقاييس كلها فتجدها تافهة لا قيمة لها أمام هذا النداء {قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} (10) سورة الزمر.
إن الله لم يجعل لأحد على أحد مزية إلا إذا كانت نتيجة لما يبذله من خير الجهود، وما يلتزمه من مستقيم السلوك، وما يتركه من صالح الأثر، والعبودية لله تقتضي العبادة لله {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}، والعبادة لله ليست هي الشعائر الظاهرة فقط، ولكن عبادة الله يجب أن تكون في قلب المؤمن في كل لحظة من لحظات يقظته، وفي كل فعل يأتيه، أو أثر يتركه، أو إقدام أو إحجام، فعبادة الله إذن هي أن يشعر الإنسان شعوراً صافياً شفافاً أنه مرتبط بالله، وأنه مخلوق لله، أنه يسير في كون الله، وأن البشر الذين يتعامل معهم هم عباد الله مثله، أن الوجود كله يسبح لله {اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ * وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآئِبَينَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ * وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ}.
لقد دعانا الله بوصفنا عباده، ونَسَبَنا لنفسه، وذكرنا بأكبر نعمة، نعمة الإيمان، ثم وجه إلينا أمره {اتَّقُوا رَبَّكُمْ }، وهذا الأمر على وجيز لفظه يشمل الإنسان من الوقت الذي تثبت فيه مسؤوليته، إلى أن يدخل حفرة قبره.
{اتَّقُوا رَبَّكُمْ} التقوى هي شعار الإيمان، وشارة الإحسان، وسبيل الطهارة، وصمام الأمان، تقوى الله هي نور الله في باطنك الذي يربطك بربك فتحس في كل لحظة أنك في كنفه، وأنك في رعايته، وأنك تنعم بمرضاته، والتقوى هي التي تحبب لك العبادة، وتشجعك على المضي في سبيل الخير، وتهون عليك ما تلقاه من صولات الباطل، وكيد المعتدين، وتعطيك الثقة، وترفع رأسك، فلا تخضع لأحد، ولا تستكين لمطامع، وتقوى الله هي التي تعصمك من الخطيئة، وتبعدك عن الرذيلة، وتعطيك نوراً يميز بين الحق والباطل، والإثم والصلاح، والتقوى هي التي ترفع عنك الحيرة التي كبلتْ عقولا، وأضاعت جهودا، وألهت المفكرين عن المنافع، وأغرتهم بما لا مطمع لهم فيه، تقوى الله تجيبك عن كل تساؤلاتك في وضوح وعمق، إذ معناها أنك شاعر في لحظة أن وجودك صَدَر عن الله، وأن مرجعك إلى الله، وأن الله لم يمهلك لحظة، بل التقوى أنه في كل لحظة يحوطك الأمر والنهي، والإرشاد والتوجيه، ولم يُسلمك أبدا.
{قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ } التقوى بصفة عامة أن تكون متيقظاً لكل ما يصدر عنك، ولكل ما تنكف عنه وتتركه. هذه اليقظة تدعوك إلى تطبيق شرع الله، وتنفيذ أمره، والانتهاء عما نهاك عنه، وأن تتوقف إن لم تعلم حتى تسأل عن حكم الله، فإذا جاءك أمره، وعرفت حكمه، انقدت له انقياد المحب، لا انقياد المكره، واستسلمت له استسلام المطيع، لا استسلام المضطر، وقد تحمد هذه اليقظة، وقد يلف الشيطان على البصيرة حزاماً مظلماً يمنعها الرؤية، فينقاد الإنسان في عمى إلى تلبية الشهوة، وينسى صلته بربه، فإذا لم يكن من المتقين هزته الخطيئة الأولى إلى قرينتها، وما يزال يقتحم الوحل حتى يألف الإثم والفجور، فيطبع الله على قلبه بعد أن تحجر {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ * كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ * ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ}، وأما إن كان من المتقين فإنها كالسِّنة الخفيفة للماسك بمقود السير ينزعج لإغفاءاته، ويستقبل للهزة، ويحدق ببصره فيما يستقبله من الطريق، ويطرد عنه عوامل الارتخاء، قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ} {وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لاَ يُقْصِرُونَ}.
أعِد - أيها المسلم- هذا النداء في نفسك {قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ }، يصل الله هذا النداء بوعد كريم، وعد من لا يضيق ملكه بشيء، ولا ينقص من ملكه شيء، ولا يعجزه شيء {لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ}، وتصور الحسنة ما شئت، فالمتفضل بالوعد هو الله، والمنجَز لهم هم عباده المتقون، والحسنة الكبرى هي العافية، وهي الرضا، الحسنة الكبرى هي القلب الذي ذهب عنه الخوف والحزن والكآبة، والشعور بالحاجة لغير الله، وهو معنى ما جاء في قول النبي صلى الله عليه وسلم (اسألوا الله العافية) -أخرجه ابن أبي شيبة - والمؤمن قد يتعرض للفتنة، وقد تضيق به سبيل الرزق، وقد يجد نفسه مكبلاً محروماً من التمتع بتطبيق شرع الله، فيوقظه ربنا الكريم: إنه لم يضق عليه، وإن أرض الله واسعة، وإن رزقه غير محدود بحدود النظرة البشرية الضيقة{هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ } (15) سورة الملك، ولكن الأمر المهم هو الصبر، هو قوة النفس على مغالبة الصعاب، الصبر على الطاعة، قال سبحانه آمراً نبيه صلى الله عليه وسلم {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا }(28) سورة الكهف، والصبر على المكاره في سبيل مرضاة الله، والصبر على النقص والخصاصة، والصبر على العمل حتى يصل غايته، والصبر عند لقاء العدو فلا ينهزم للضربة الموجعة، والصبر على مغريات الشيطان وهو النفس:
ونوع آخر من الصبر هو الاحتمال لما يصيب الإنسان من المصائب، {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ} سورة البقرة (155-156).
فهذه هي الدعوة الأولى في سورة الزمر، ويُختم الدعاء الرابع بفتح أبواب الأمل والرجاء للمفرطين، فتأملوا في الدعوة الخاتمة: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } (53) سورة الزمر.
اللهم انفعنا وارفعنا بالقرآن، وأمِّنا به من الفزع وهول المطلع، أنت حسبنا ونعم الوكيل.
د. عبد المحسن بن عبد العزيز العسكر - عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.