بدلاً من 280 دولاراً.. بنك يودع 81 تريليوناً في حساب عميل !    رفعوا الشكر للقيادة على الدعم السخي.. أمراء: «جود المناطق» تعزز قيم العطاء والتكافل    بعد انتهاء المرحلة الأولى وتعثر مفاوضات "الثانية" .. صيغة جديدة لتمديد التهدئة في غزة    أكدت موقفها الثابت تجاه دعم أمنه واستقراره ووحدة أراضيه.. السعودية ترفض تشكيل حكومة موازية في السودان    بعد الملاسنة الحادة بينه وترامب في البيت الأبيض.. زيلينسكي يتراجع: مستعد لتوقيع اتفاق المعادن    التعادل السلبي يخيم على لقاء الفيحاء والوحدة    سبقه بوقاش والسومة.. إيفان توني يدخل التاريخ ب"هاتريك" الهلال    في انطلاق الجولة 24 من دوري يلو.. ديربي ساخن في عنيزة.. والفيصلي في ضيافة الطائي    1365 حالة ضبط لممنوعات بالمنافذ خلال أسبوع    ضمن مشروع الأمير محمد بن سلمان لتطوير المساجد التاريخية.. إعادة بناء مسجد القبلي بالمواد الطبيعية على الطراز النجدي    برعاية خادم الحرمين الشريفين.. تكريم الفائزات بجائزة الملك سلمان لحفظ القرآن الكريم للبنات    كوادر بشرية تتمتع بالخبرة والكفاءة لتنفيذ خطة الأيام المباركة .. المسجد الحرام.. كثافة عالية من الزوّار والمعتمرين في أول أيام رمضان    ممتاز الطائرة .. الهلال يعزّز صدارته للدوري    الأخضر الشاب يخسر نهائي القارة    الاتحاد يطمع في نقاط الأخدود    إزالة العقبة الكبرى أمام سلام تركيا واستقرارها    تتزامن لأول مرة مع بداية رمضان آخر الفصول الدراسية اليوم    مشروع لتعديل اللائحة المالية للنشاطات الثقافية    الملك: خدمة الحرمين نهج دأب عليه ملوك المملكة منذ توحيدها    «أبرق الرغامة».. صفحة من تاريخ طويل    محمد بن فهد.. أمير التنمية والأعمال الإنسانية    سلام: الحكومة اللبنانية ملتزمة بإعادة إعمار القرى الجنوبية المدمرة    رمضان في التاريخ الإسلامي: كيف كان يُحتفل في العصور الوسطى    الأرز الأبيض.. خطر غير متوقع على صحة أسنانك    صدق أو لا تصدق.. «الفشار» يقلل خطر الإصابة بالسرطان    موسم الإنفلونزا الحالي الأسوأ منذ عقد.. ما السبب ؟    صناعة الخدمة والمسؤولية    التسول.. من الاستغلال إلى التمكين    الدفاع المدني بالحرمين الشريفين يكثف أعمال الإشراف الوقائي لسلامة ضيوف الرحمن    الفوانيس تزين شوارع وميادين مكة    53 دولة إسلامية في «الإيسيسكو» توافق بالإجماع على ميثاق الرياض للذكاء الاصطناعي    مجد متجذر ونهضة مستمرة    "الثقافة" تنظم فعاليات ثقافية في موسم رمضان    "المتاحف" تناقش دور المتاحف في التوعية والتنمية    20 مشروعا تغلق بعد تخفيضات الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية    رسالة للعالم الإسلامي    التعاون يحبط صحوة الفتح ويهزمه بثنائية    فلسفة الصوم    النرجسية وأهمية الذات    تاريخ مجيد    72 مليار دولار للوظائف السيئة    العمل 60 ساعة    لصيام آمن.. إرشادات لمرضى الربو    مأسسة السلة الرمضانية    الجيش الأمريكي ينشر 3000 جندي على الحدود مع المكسيك    السعودية.. ريادة دبلوماسية وصناعة مستقبل    السعودية تتهيأ لصناعة وتصدير «التاكسي الطائر»    عملاء المديونيات ضحايا الوعود الزائفة    حماية الكرامة بالتعويض عن الضرر المعنوي    السعودية.. المملكة التي تنبض بالعالمية    ثلاثية توني    "جيل الطيبين " ما الذي يغذي المصطلح؟    66 % انفراد السعوديات بقرارات الرعاية الصحية    نائب أمير الشرقية يرفع الشكر للقيادة على دعمهم لحملة جود المناطق    أمير منطقة مكة يهنئ القيادة الرشيدة بمناسبة شهر رمضان المبارك.    «عكاظ» ترصد توافد المصلين لأداء صلاة العشاء والتراويح بالمسجد النبوي الشريف، في الليلة الأولى من شهر رمضان المبارك.    "البريك":رفع التهنئة للقيادة بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك    نائب أمير منطقة جازان يرفع التهنئة للقيادة بمناسبة حلول شهر رمضان    









راشد المبارك.. دولة الكرم وبساط الفكر
نشر في الجزيرة يوم 21 - 02 - 2015

في موسم أحزان قابلناه بالرضا والتسليم حيث رحل نجل ابن خالتي الشاب الرضّي محمد بن عبد المحسن الدرويش في حادث أليم مع صديقه حمد بن بسّام بن راشد المبارك، شاء الله بحكمته ورحمته أن يرحل في ثالث العزاء لحفيده المفكر العربي الكبير ورجل الإحسان والمبرات، والشخصية التي سجلت حضورها وتميزها الثقافي العربي وشراكتها في العلاقة العميقة الفكرية والاجتماعية والسياسية للوطن العربي أ. د. راشد بن عبد العزيز المبارك رحمهم الله جميعا وجبر مصاب أهليهم.
ومن الصعب أن تنطلق في مثل هذه المشاعر، وأمام هذه الشخصية الفذة المختلفة عن عشرات الآلاف من نظرائها في التعليم، والتي صنعت مساراً مختلفاً في حياتها، قبِل التحدي من أول يوم يختط فيه قرار التعلم والتعليم، وقد كان في الأصل نسلُ أسرة عريقة في بستان العلم والحياة الاجتماعية وتنوع الأدب وتلقي الناس وصناعة الجسور منهم وإليهم، بل إن والده الشيخ عبد العزيز بن حمد المبارك أحد أبرز العلماء الدعاة ذوي البصمة والحضور في المحافل العلمية والاجتماعية بل والسياسية في تاريخ الخليج العربي من أول القرن الرابع عشر حتى منتصفه.
وأمام هذه القامة الاجتماعية التي سجلها د. راشد وراثة وأصالة كانت له رسالة ثقافية اقتحمت الرواق الثقافي العربي والديوان الوطني ببعده الرسمي والأهلي حيث ازدحمت نجد بأساطين نبلائِها الاجتماعيين والفكريين فمن الطبيعي أن تزدحم الأوراق حوله فما بالك إن كانت أوراق ورواق سُجّلت لراشد بن عبد العزيز، فلا يَكاد ترتحل من داره مضافة إلا حطّت بعدها مضافات، يُصارع الناس إلا أن يزدحموا على بيته ولا يزدحم عقله عن تعقبهم بالمكرمات.
وإن كان أول حديثنا عن كرم راشد فإنهُ صنفٌ من أوجه عديدة من البذل وله في ذلك أصنافٌ أُخرى، فيصل ذو مروءة أو حاجة تعقبته الأيام، فتطوف صلة راشد الكريم سراً بينهما لتطفئ حاجته، وكم ازدحمت لديه وفود عديدة حيث اضطر الناس لطلب الشفاعات لأجل الحصول على العلاج لعارضٍ شديد في التخصصي أو الخارج، وكان لراشد السبق فيهم ما استطاع إلى ذلك سبيلا، وأكرم ببذال للمعروف جابر لعثرات الشفاعات شهدت له الأحساء وغيرها.
ورغم أنه عُرف بأنه ذلك الأحسائي المتجذر بانتمائه، لكنه أبحر في علاقاته وثقافته بين أركان الوطن وبين العروبة الكبرى، فعرف المشهد الفكري الوطني المحيط منهُ الأحساء وساحة ثقافتها وثمَر نخيلها الفكرية قلال تمرٍ وقلال أدب، وعَبَر حيث رحلته الفكرية الواسعة إلى الوطن العربي الكبير فأضحى رصيده التفاعلي في تنقله العربي والغربي جسراً حيوياً لذلك التواصل مع شخصيات ومثقفي الوطن العربي الزائرين أو القاصدين للعاصمة ليُقدّم عبر ندوته الأحدية شتلات ورود منوعة من مفكرين ومثقفين متعددي التوجه، وما يهم للغاية هو ما شكلته الندوة كمبادرة متقدمة للثقافة والحوار في زمنٍ كانت منابر التعدد وتبادل الحوار الراقي نادرة التلاقي, ويضيق الناس بتصنيفات وصراعات ولا تجمعهم طاولة ثقافة.
وعَبَر الراحل الكبير د. راشد المبارك عليه شآبيب الرحمة مساحات متتالية من صراعات التيارات الفكرية أصّر فيها على أن يُبقي له جسراً حيويا وكذلك فعلت تلك الأطراف حيث انتخبته مبكراً كأحد أمناء التواصل بين مثقفي الوطن العربي وتياراته المركزية، كان فيه راشد المبارك في الطليعة المنافسة، وأطلق جهودا خاصة في صراعات صعبة وأزمات في داخل الوطن العربي تولى فيها كمثقف دبلوماسية اجتماعية هي من جوانب شخصيته الفذة.
ومع ذلك الحضور العربي فقد كان للدكتور راشد المبارك حضور مكثف حيث حواضر الرياض وازدحام مناراتها ومجلسها وشخوصها الاجتماعية لأهلها والقادمين من نواحي نجد الكبرى أو نواحي المملكة لتجعل منه شريكا أساسياً في هذا المحفل المتحرك كأحد أعلامه فضلاً عن العلاقات المتعددة له قديماً في دراسته حتى عمله وسكنه مع الأطياف الفكرية المتعددة، وأبقت له دبلوماسيته مع هذا المسار العميق في تاريخ المثقف النجدي خاصة أوالسعودي عامة جسور توازن تصطف عندها مدارات التقدير لشخصيته.
وحقق راشد المبارك محطة مهمة للتضامن الوطني حين كان وسيطاً بين الدولة وملفات مختلفة صعبة فسهّلت جهوده عملية التواصل الوطني ومعالجة بعض الاحتقانات عبر الحوار والمعالجة السياسية التي قطعت في ذلك الزمن مسافة مهمة لِلحْمة الحالة الوطنية، ومع تلك المهام كان راشد المبارك الأديب الرائع الذي يرفض تصنيفه رسمياً، رغم أن الكثير لا يقتربون من ذائقته إلا أنه كان ينتقي بلاغة التعبير في اختياراته لآداب العرب وفي بعض نصوصه من ذوقها وطرقها إلى فلسفتها، وفي هذه الأخيرة أي الفلسفة بمعناها المطلق كان حضور د. راشد تراكمياً من تخصصه الذري النادر في حينه علمياً وبين المنطق المُطلق وبحاره.
ومن أخلاق راشد التي تُثبّت في هذا الزمن حيث هي شاهدة بيننا هو مبادرته للدولة لطلب تأمين أشقائنا من سوريا للجوء في المملكة حين نفذ الإرهابي الأول حافظ الأسد مجزرة حماة 1982 في حق شعبنا، وها هي اليوم تتكرر مأساتهم، فكان للدكتور راشد يدٌ طيبة كريمة لإيوائهم ذاك اليوم الصعب.
مثّل الراحل الكبير بوابة حضوركبرى لشخصيات الأحساء التي اندفعت خارجها وتبنّى عبر صلاته مع الشخصيات الكبرى للدولة مسارات لتصحيح وضعها وتنميتها ونقل نقده ونقد الأهالي للمسؤول، وهو اليوم كما كان أبوه في القرن الماضي من أبرز شخصيات هذا القرن الأحسائية، واستمر عطاؤه الوطني ومحاولات ردم الفجوة بين المثقف الإصلاحي وبين المسؤول قائمة، ولم يُسجل عليه أبداً تحريض على رأي للإصلاح الوطني أو الاسترزاق على حسابه، في حين كان رجل الحضور المتعدد فكريا في نخبة الرواق العربي الكبير.
ولأن من صفاته الخاصة الكرم والمروءة التي كان يتلقّى بها راشد المبارك من يقصده فيتجاوب مع الكثير من أعزاء قوم أذلهم بأس الزمن ويمد يده بجوده أو بشفاعته، هذه الصفة الخاصة نختم بها لكونها من أسباب الرحمة والقبول ونُسطّرها في مجد راشد في الدنيا وما هو أبقى منها عند مولاه الكريم المنّان، يرحمك الله يا سيداً لا ينساه المكان ويبقى ذكره شاهداً للزمان، ويبارك الله على ذريتك وأهلك في رضاه ويجبر لهم عظيم المصاب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.