الرياض – يوسف الكهفي الأمة تمر بمرحلة حرجة من حياتها وترافقها دعوات مغرضة للتخويف من الإسلام المدارس التبشيرية تمارس الاستغلال للفاقة والجهل والمرض في بعض المجتمعات الفقيرة نعمل على إشاعة ثقافة الفتوى الجماعية والتصدي للاجتهادات الفردية غير المدروسة قال الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي عضو هيئة كبار العلماء الشيخ الدكتور عبدالله بن عبدالمحسن التركي «إن الأمة تمر بمرحلة حرجة من حياتها، شهدت خلالها سلسلة من الأحداث الدولية التي جاءت بتحولات عالمية في العلاقة مع كل ما هو إسلامي، رافقتها دعوات مغرضة للتخويف من الإسلام؛ ومن ذلك ما يُسمى في الغرب (إسلاموفوبيا)». وأكد خلال حديثه ل «الشرق» أن الرابطة دعمت مراكز الدعوة والدعاة في إفريقيا، وذلك لتثبيت المسلمين على دينهم وتأهيلهم للتعريف به ومواجهة التحديات بشأنه، وطالبت الرابطة مؤسسات التنصير بوقف مناشطها بين المسلمين، وجعلت ذلك شرطاً لمواصلة الحوار مع ممثلي الكنائس العالمية، وتطرق التركي للعديد من القضايا التي تهم المسلمين في ثنايا الأسطر التالية: * تختلف اجتهادات العلماء في الفتوى بين محلل ومحرم، ويستتبع ذلك ظهور فتاوى مشوشة تؤسس للاتجاهات المتطرفة أو المفرطة، فماذا فعلت الرابطة إزاء ذلك؟ - حين يختلف العلماء في تقرير مسألة ما لأدلة واضحة وصحيحة؛ فإن اجتهادهم يكون سائغاً، ولن تخرج فتواهم بحال عن تحقيق مقاصد الإسلام العظيمة، لكن الأمر يكون على خلاف ذلك حين يتصدر الأدعياء للفتوى، كما قال النبي صلى الله علية وسلم: «إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بموت العلماء حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤوساً جهالاً، فسئلوا، فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا»، فالرابطة تعمل على إشاعة ثقافة الفتوى الجماعية من خلال مجمعها الفقهي وغيره من المجامع التي ينبغي أن تتصدى للاجتهادات الفردية غير المدروسة؛ وخاصة في الأمور العامة، التي تتعلق بها مصالح المجتمعات والدول، واهتماماً من الرابطة بالفتوى، عقدت في شهر محرم من عام 1430ه المؤتمر العالمي للفتوى وضوابطها برعاية خادم الحرمين الشريفين، الذي أصدر العديد من القرارات والتوصيات التي تؤصل لأعمال الفتوى وفق ما يصون الشريعة ومهمة الإفتاء من عبث العابثين، ومن أصحاب الاجتهادات الشاذة التي تشتت الناس، وتفرق الصف المسلم. * ظهرت بعض التحديات الجديدة الخارجية والداخلية مما شوش على مفاهيم بعض المسلمين، وشجع على الانحراف وتحريف مقاصد الدين وإلحاق الشبهات به؛ فهل هناك إسهام للرابطة في علاج هذا الأمر؟ - إن الأمة تمر في هذا العصر بمرحلة حرجة من حياتها، شهدت خلالها سلسلة من الأحداث الدولية التي جاءت بتحولات عالمية في العلاقة مع كل ما هو إسلامي، رافقتها دعوات مغرضة للتخويف من الإسلام؛ ومن ذلك ما يُسمى في الغرب (إسلاموفوبيا) إضافة إلى بروز العديد من التحديات؛ سواء تلك الناتجة عن العولمة، أو تحديات تستهدف العقيدة الإسلامية، أو تحديات حضارية أو سياسية أو إعلامية أو اقتصادية أو تربوية، وإن الناظر في حال الأُمة اليوم؛ يلحظ تأثراً متنامياً في بعض مجتمعاتها بما يُتداول في العالم، مما أوجد كذلك تحديات داخلية، وأشدها خطراً ما يتعلق بالدِّين، وتطبيق نصوصه على الواقع، وما يتخلله من تحريف للصحيح منها، واعتماد لغير الصحيح، تبعاً للهوى، وخدمة للمصالح؛ مما يؤدي إلى بلبلة الأفكار، وإبعاد المسلم عن العمل من أجل دينه ودنياه، والرابطة منذ نشأتها تقوم بالتعريف بالإسلام، وشرح مبادئه وتعاليمه، ودحض الشبهات والافتراءات التي تلصق به، وإقناع المسلمين بضرورة التقيد بأوامر ربهم واجتناب نواهيه، وتقوية صلتهم بربهم وعقيدتهم، وتنمية شعورهم بشخصيتهم الإسلامية ووحدتهم، واعتزازهم بتاريخهم وقيمهم، وتنتهج الرابطة -في سبيل تحقيق ذلك كله- من الوسائل ما يسهم في مساعدة الشعوب المسلمة على إيجاد الحلول المناسبة لحل قضاياها الشائكة، والدفاع عن دينها وشعوبها، وإصلاح أوضاعها، والنهوض بها نحو تحقيق أهدافها، وإيجاد رأي عام إسلامي مشترك في مختلف القضايا والمشكلات، وسعياً من الرابطة لعلاج هذه المستجدات؛ فقد عمدت إلى العمل الإسلامي الجماعي؛ فأنشأت الملتقى العالمي للعلماء والمفكرين المسلمين، وهيئة التنسيق العليا للمنظمات الإسلامية، لإشراك العلماء والدعاة وأهل الرأي في التصدي للمشكلات التي تواجه المسلمين، ولا سيما المشكلات الكبرى، وما يتصل بالهجمة على الإسلام أو ما يهدف إلى تشويهه والانحراف بمقاصده، كذلك تقوم الرابطة بدعوة العلماء والدعاة والباحثين وقادة الرأي إلى المؤتمرات والندوات التي تعقدها؛ لتدارس القضايا المهمة التي تطرأ على الواقع الإسلامي المعاصر، والبحث في سبل التصدي للتحديات التي تستهدف الإسلام وأهله في أنحاء العالم، وتوجيه العاملين في مجال الدعوة للتنسيق والتعاون لتحقيق المقاصد الإسلامية النبيلة في ساحة العمل الإسلامي والدولي. * هل للرابطة جهد في مواجهة التنصير الذي يتزايد نشاطه في إفريقيا؟ - منذ بدء لقاءات وفود الرابطة مع الفاتيكان؛ دعت الرابطة إلى إيقاف مناشط التنصير بين الشعوب الإسلامية التي توجه إليها المنصرون، وأقاموا فيها هيئات ومراكز ثقافية ومدارس تبشيرية، وعدّت ذلك نوعاً من الاستغلال للفاقة والجهل والمرض المنتشر في بعض المجتمعات الفقيرة، وقد دعمت الرابطة مراكز الدعوة والدعاة في إفريقيا، وإنشاء المدارس الإسلامية، وتقديم المنح الدراسية لأبناء إفريقيا، واستقدام دعاتهم للدراسة في معهد إعداد الأئمة والدعاة في مكةالمكرمة التابع لها؛ فضلاً عن تنظيم المناشط والدورات التي تقيمها سنوياً للأئمة والخطباء والدعاة في هذه الدول؛ إضافة إلى رعاية حلق تحفيظ القرآن الكريم وتعليمه، ودعم الكتاتيب والخلاوي التي تدرس الفقه والحديث وغيرهما من العلوم الإسلامية، وذلك لتثبيت المسلمين على دينهم وتأهيلهم للتعريف به ومواجهة التحديات بشأنه، وفي مؤتمرات الحوار العالمية طالبت الرابطة مؤسسات التنصير بوقف مناشطها بين المسلمين، وجعلت ذلك شرطاً لمواصلة الحوار مع ممثلي الكنائس العالمية، ولحماية المسلمين المحتاجين من التأثير على دينهم واستغلال الفاقة والحاجة لدى بعض المسلمين؛ بذلت الرابطة من خلال هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية التابعة لها جهداً ملحوظاً في التخفيف عن المسلمين في مناطق الكوارث والأزمات، وأقامت 1696 مشروعاً إغاثياً؛ معظمها في بلدان إفريقيا. فضلا عن إنشاء المدارس الإسلامية وكفالة آلاف الأيتام وحفر الآبار وتنفيذ القوافل الطبية والدعوية، وإقامة البرامج التنموية، وقدمت الرابطة إلى جانب العون الخيري الدعم لوسائل الإعلام التي تنشر الثقافة الإسلامية الصحيحة في المجتمعات الإسلامية، فقدمت الدعم لإنشاء إذاعات وإصدار صحف تقوم بمهمة التوعية ونشر ثقافة الإسلام الصحيحة في تلك المجتمعات. * ما دور الرابطة في خدمة الأقليات المسلمة في العالم؟ - الأقليات المسلمة جزء مهم من الأمة الإسلامية إذ تبلغ نسبتهم الثلث من بين مسلمي العالم، ويتوزعون على قاراته؛ بما يؤهلهم ليسهموا في التعريف بالإسلام بمبادئه في العدل والأمن والسلام والمساواة بين الناس، والمشاركة الفاعلة في التصدي للتحديات التي تواجه المسلمين، وإدراك الرابطة لأهمية هذه الأقليات جعلها في بؤرة عدد من مناشطها، وقد عملت على دعم جهودها للحصول على الاعتراف بحقوقها الدينية في دولها، وقدمت لأجيالها زاداً ثقافياً يساعدها في الحفاظ على هويتها الإسلامية، ودعمتها في المحافل والملتقيات الدولية، وعملت على تأمين جزء من احتياجاتها من تراجم معاني القرآن الكريم باللغات المختلفة، وكذلك الكتب الإسلامية، وأود أن أشير هنا إلى أن الرابطة تشرف على العديد من المراكز الثقافية الإسلامية التي أنشئت بدعم كبير من المملكة العربية السعودية، وزودتها بالبرامج والخطط التي تعينها على تحقيق الأهداف الإسلامية للرابطة في رعاية شؤون الأقليات، ومساعدتها على حل مشكلاتها الاجتماعية والثقافية، وأعانتها في الفتوى بشأن المشكلات التي جدّت في حياتها؛ وذلك من خلال البحوث التي أعدها المجمع الفقهي الإسلامي في الرابطة، والفتاوى التي أصدرها في «فقه الأقليات». * أثرت العولمة على الاتجاهات الثقافية لدى المسلمين، ومنهم الطلاب المسلمون الذين يدرسون في الخارج.. فماذا قدمت الرابطة لمواجهة هذه الآثار؟ - إن واقع العولمة وتزايد الاحتكاكات والتفاعلات الثقافية بين مختلف الأفراد والشعوب بفعل ثورة الاتصالات وتزايد حركة الهجرة؛ يؤثر على شباب الأمة كلها وليس الدارسين منهم في الخارج فقط، وقد حرصت الرابطة من خلال المؤتمرات على الدعوة لتحسين مكانة المسلم -في بلاد الاغتراب- ثقافياً وعلمياً ومهنياً، سعياً لتحويله من حال المسلم الضعيف إلى المسلم القوي المبدع. وقد عقدت مؤتمر مكةالمكرمة العاشر عام 1430ه بعنوان: «مشكلات الشباب المسلم في عصر العولمة». وأصدر العلماء المشاركون فيه توصيات لعلاج آثار تيارات العولمة الثقافية على الشباب، وعلى الطلاب الذين يعيشون في الخارج. وتتعاون الرابطة مع المنظمات الإسلامية في مختلف أنحاء العالم، وكذلك مع المؤسسات الثقافية والتربوية والجامعات الإسلامية في علاج المشكلات الفكرية والاجتماعية والنفسية والاقتصادية التي تواجه شباب الأمة المسلمة في هذا العصر. * كتابكم «الأمن الفكري» كيف له أن يسهم في تقويض الأفكار المتشددة الموجودة في بعض بلاد المسلمين؟ - الإسلام دين الرحمة والأمن والأمان، والمظاهر المتطرفة التي برزت لدى فئة من الشباب في بعض بلدان المسلمين أبعد ما تكون عن جوهر الإسلام ورسالته التي هي رحمة للعالمين: «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين»، وقد وجدت تلك المظاهر المتطرفة بسبب ظروف استثنائية في بعض المجتمعات؛ مستفيدة من تقصير طلاب العلم في تبيان حقائق الإسلام ومقاصده، وكان من الواجب على العلماء تجريد أقلامهم في التصدي لهذه الظاهرة السلبية التي أضرت بالدعوة الإسلامية، وكتاب «الأمن الفكري» إسهام في نشر الوعي بمخاطر ظاهرة الاغتراب الثقافي وكشف ظنونها، وإعادة التذكير بمسؤولية المؤسسات الرسمية وغير الرسمية في تحقيق هذا المطلب المجتمعي المهم، والكتاب يحمل دعوة لعلاج الفكر المنحرف والتغريب بنشر الثقافة الإسلامية التي تشمل: إشاعة مفهوم الوسطية الإسلامية التي وصف الله بها أمة الإسلام بقوله: «وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً». والتحذير من أنواع الفكر الشاذ سواء منه الذي ينحو منحى الإفراط، الذي يجنح نحو التفريط في أمور الدين. وتدريب الأجيال الشابة على الاعتدال والاتزان في الخطاب والسلوك والرفق في المعاملات؛ اتباعاً لما أوصى به النبي الكريم -صلوات الله وسلامه عليه- المسلمين: «إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه» رواه مسلم. إن تعميق هذه المبادئ في نفوس الأجيال المسلمة يسهم في حمايتهم من الجنوح نحو التشدد أو التهاون في الدين، وأهيب بعلماء الأمة أن يسهموا في إرشاد الشباب إلى اتباع النهج الإسلامي الصحيح، ونبذ الأفكار التي يروجها المتطرفون أو الجهال في حقيقة هذا الدين.