تنعقد قمة مجموعة العشرين في أستراليا بعد أيام قليلة، التي تضع على رأس أولويات أجندتها تعزيز النمو العالمي، وزيادة فرص العمل، ودعم نمو التجارة الدولية. والمجموعة التي تضم أكبر دول العالم اقتصادياً؛ إذ يمثل مجموع ناتجها المحلي ما يقارب 85 في المئة من الناتج الإجمالي العالمي، ويبلغ عدد سكانها قرابة ثلثي سكان العالم، بدأت اجتماعاتها على مستوى القمة منذ العام 2008م في أعقاب الأزمة المالية العالمية، إلا أن تاريخ تأسيسها يعود للعام 1999م، إلا أنها كانت تعقد على مستوى وزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية. ومنذ بدء اجتماعها على مستوى قادة دولها اكتسبت أهمية أكبر، وخصوصاً أنها استطاعت بالكثير من الإجراءات التي اتخذت احتواء الأزمة العالمية، والاستمرار في معالجة آثارها وتداعياتها التي لم تنتهِ حتى الآن بشكل قاطع، إلا أن القدرة على مواجهة التداعيات والأزمات باتت أفضل إلى حد كبير. إلا أن المرونة التي سعت لها المجموعة خلال السنوات الماضية؛ لكي تكون أهم أدواتها؛ لكي تواجه الأزمات الاقتصادية الحالية أو المستقبلية، أصبحت على المحك، وخصوصاً مع التطورات السياسية التي باتت أحد أهم العوائق أمام قدرات مجموعة العشرين، لتجاوز التداعيات التي تواجه الاقتصاد العالمي من جهة، بل قد تؤسس لأزمات جديدة اقتصادياً، فكيف يمكن تعزيز النمو العالمي، الذي يتطلب إنفاقاً كبيراً وتسهيلات بالتجارة البينية الدولية، وفي الوقت نفسه تفرض عقوبات على روسيا، أدت إلى تراجع نموها الاقتصادي، وإمكانية دخولها في ركود؟ وعلى الجانب الآخر، فإن روسيا التي تبحث عن رفع نموها الاقتصادي لمعدلات كبيرة أيضاً تمارس سياسات يراها الكثير من أعضاء المجموعة لا تساعد على استقرار العالم واقتصاده، كأحداث أوكرانيا. ففي ظل عدم توافق القوى الكبرى عالمياً على حلحلة المشاكل السياسية الدولية فقد يصعب معها تجاوز الأزمات الاقتصادية بسهولة، وخصوصاً في منطقة اليورو، وكذلك إذا تراجع الاقتصاد الروسي إلى مستويات مخيفة ومؤثرة باقتصاد العالم؛ كونها من أكبر منتجي الطاقة في العالم، وتمتلك علاقات تجارية كبيرة مع العالم، وخصوصاً أوروبا؛ فلن يجدي روسيا نفعاً مقارعة جيرانها الأوروبيين؛ فمن المهم فهم التحولات الدولية التي بات العالم فيها منفتحاً اقتصادياً بأضعاف ما كان عليه قبل تفكك الاتحاد السوفييتي. أما على الجانب الآخر من التحديات، فإن ارتفاع الدولار أمام باقي العملات الرئيسية في العالم ترك آثاراً متباينة على الاقتصاد العالمي، لا يمكن حصرها. فإذا كانت دول انخفضت عملاتها؛ وبالتالي ستستفيد بزيادة صادراتها، كاليابان ودول اليورو، إلا أن الدول المصدرة للنفط ستتراجع إيراداتها؛ ما قد يؤثر في حجم إنفاقها الاستثماري على المشاريع باقتصادياتها. فإنفاق تلك الدول في الفترة التي شهدت ارتفاعاً في أسعار النفط كان كبيراً؛ وساهم في تحسين نمو الاقتصاد العالمي، كما أن ارتفاع الدولار سيسحب سيولة من دول عديدة؛ لتتجه نحو الاستثمار بالدولار كعوائد يتوقع لها أن ترتفع مع التوجه نحو رفع أسعار الفائدة على الدولار العام القادم، بخلاف حفظ القيمة للثروات، من خلال التحوط بعملة قوية، يتوقع أن ترتفع أمام عملات العالم أكثر في الفترات القادمة، وخصوصاً أنه لا تلوح في الأفق أي بوادر لبرنامج تيسير كمي رابع سيهبط بالدولار مجدداً كما حدث خلال الأعوام الخمسة الماضية؛ ما سيضع الكثير من تلك الدول أمام تحدي توفير السيولة في اقتصادياتها مستقبلاً، وخصوصاً إذا كانت متطلبات التنمية وتوفير فرص عمل فيها ما زالت في البدايات، وتشكل تحدياً كبيراً لها. وهذا لا ينطبق فقط على دول مجموعة العشرين، بل يشمل كل دول العالم. قمة العشرين في أستراليا تواجه أصعب مراحل ما بعد الأزمة المالية العالمية؛ فالتطورات السياسية العديدة السلبية في مجملها ستُحدُّ من تعزيز قوة نمو الاقتصاد العالمي لأسباب عديدة، ستلعب فيها كافة الآثار السياسية والاقتصادية بعدم نمو التجارة الدولية بمستويات مجدية لتعزيز النمو الاقتصادي الدولي، وفتح فرص عمل كما هو موجود على أجندة القمة، ما لم تحل كافة القضايا السياسية العالقة، وكذلك وضع حلول لتخفيف آثار التغير بأسعار صرف العملات الرئيسية، كما يحدث بالدولار حالياً. فعدم تحقق انفراجات سياسية وحلول اقتصادية جذرية دولية قد يعيد العالم لمربع الأزمة الأول، أو قد يُظهر أزمات بأشكال مختلفة، لكن مجملها سيكون سلبياً، وسيترك آثاراً لن يسهل علاجها والتصدي لها، كما حدث في السنوات الماضية من تعامل مع الأزمة المالية العالمية منذ ستة أعوام.