!! نعم مميتة وقاتلة للتلاحم والمساواة واحترام الآخر، مشكلة تؤدي إلى تشتيت الصف وتفريق الكلمة في وقت أحوج ما تكون فيه الأمة إلى الاجتماع والتآزر، معضلة قديمة ترجع إلى زمان سحيق وتعود بمن يبتلى بها إلى عصر (الجاهلية). من أعراض هذا المرض المستشري التكبر والاعتزاز بالنفس والنسب واحتقار الآخر وتهميش رأيه وازدراء قناعاته وعاداته ومبادئه، ومن أعراضه أيضاً الكيل بأكثر من مكيال والنظر إلى المختلف بغض النظر عن كيفية اختلافه بنظرة دونية، بل قد يصل الأمر في بعض الحالات المستعصية إلى الافتراء عليه. قال تعالى في كتابه الكريم يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ . (13) سورة الحجرات. بيَّن سبحانه وتعالى معيار التفاضل حتى لا تحيد الموازين ويجانب الناس الحق، فالتفاضل بالتقوى لا بنسب ولا بعرق ولا بقبيلة قال صلى الله عليه وسلم: (لَيْسَ مِنَّا مَنْ دَعَا إِلَى عَصَبِيَّةٍ وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ قَاتلَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ مَاتَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ). كما قال عليه الصلاة والسلام: (إِنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا حَتَّى َلا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ ولا يَبْغِ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ)، وكما أنشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «الناس من جهة التمثيل أكفاء أبوهم آدم، والأم حواء فإن يكن لهم من بعد ذا نسب يفاخرون به، فالطين والماء» من الملاحظ أنه على الرغم من التقدّم المعرفي والثورة المعلوماتية التي نعيشها هذه الأيام لا تزال بعض العقول تقبع تحت ظلام الجهل ومظاهر التخلف ودعوات الرجعية والجاهلية بالتعصب للقبيلة أو العرق أو المنطقة وسمِّ ما شئت قياساً من أشكال التعصب وألوانه. فترى المبتلى لا يعترف إلا بما يقوله من شابهه واتفق معه، وإذا اجتمع على غير موعد مع أناس على غير شاكلته في عمل أو محفل اجتماعي أو مناسبة عامة أو غيرها تجده يسعى لتهميش رأيه وازدراء شخصيته سواء كان على حق أو باطل فإن لم تكن (منا) فأنت (علينا). ما دفعني للتطرق إلى هذا الموضوع تزايد النعرات وتفشي التعصب خاصة بين معشر الشباب وما ينتج عن ذلك من نشوب خلافات ومشاجرات قد تنتهي نهاية مأساوية كما رأينا وسمعنا في أكثر من حدث خلال الأسبوع المنصرم. من المؤلم أن تكون طاقات شبابنا، بل أرواحهم ثمناً من أجل عصبية بائدة وأفكار جاهلية لا تغذي إلا الكبر والعنجهية والظلم والعدوانية. حتى تنهض الأمة يجب أن توحّد الصف وتتحد الكلمة وتجتمع على رأي وكلمة واحدة فلا ينبغي أن ندع مجالاً لأمور تافهة وعادة جاهلية. يجب الحرص على تعليم النشء وتثقيفهم من خلال التربية السليمة منذ الصغر على تقبل الآخر واحترام اختلافه، فالناس كلهم سواء إلا من فضَّله الله بعلم وتقوى.