قِلةٌ هم الذين يسيرون ويتركون الأثر فيمن حولهم، والأكثر ندرة منهم أولئك الذين يعملون بصمت في مساحات من الظل فتتجاوز منجزاتهم بشموخ كل الأضواء ويمتد ظلهم أعلى منهم في الضوء وتحت بريق الفلاشات، ومن القلة القليلة هذه جاء الفنان عبد الرحمن خضر ليبدع في صمت وينحت في تجربته الفنية بين حروفية متفردة ولون غني وتشكيل متقن, وينجز بجد وغزارة في إنتاجه, فصاغ إبداعه بصمت وهدوء وخرج به من الظل ليتجاوز الأفق ويمتد ظله على الكثير من الفنانين المعاصرين له ومن تبعوه فساروا وما زالوا يسيرون في ظل إبداعه وعلى زاد مفرداته وتراكيبه وتكويناته وحتى بعض تقنياته وأدواته. اهتم الفنان السعودي الشاب عبد الرحمن خضر بالحرف العربي في منجزه الفني وانتقل بالحرف من إتقان الحِرفة إلى فسحة الإبداع منتقلاً بإتقان إلى مرحلة ما بعد الحِرفة وتجاوز المعنى واللغة المنطوقة إلى الجمال المطلق وتحول الحرف معه لدلالة جمالية وعلاقة روحانية مبتكرة توظّف جسد الحرف بتجرد ومعزل عن كنهه ودلالته اللغوية مع الإبقاء على رصانته القاعدية وقدسيته العميقة, وحتى في إدراجه لنصوص مقروءة ذات دلالة ومعنى كانت العلاقات الجمالية هي السائدة والمبهرة حتى عن قراءة ما هو مكتوب, وتنوع أيضاً في تنفيذه للحرف وأنواع الخطوط بين الرسم والتشكيل المباشر لجسد الحرف وعلاقاته وبين تنفيذه بوسائط متنوعة طباعية وجرافيكية فظهرت تضاريس سطوح أعماله متباينة بين البارز والغائر وبوسائط وعجائن متعددة عايشها على أسطح أعماله بشكل مدروس يساهم في ظهور بنائية العمل باتزان وتماسك في توزيعاته وتشكيلاته مرتكزاً على منتصف العمل كبؤرة تدور في فلكها بقية العناصر حتى تتلاشى في الأطراف مع بقاء اللون حاضراً نيابة عن العناصر الطرفية في الأعمال وعادة ما يبني الفنان عبد الرحمن العناصر الشكلية في أعماله بشكل عمودي واللونية بالشكل الأفقي متعاملاً بوعي مع المحورين في أعماله بشكل تبادلي بين اللون والشكل وبين الأفقي والعمودي, أما اللون فظهر بشكل رئيس في الأعمال متبايناً بين شدة نصوع الألوان الفاتحة ودكانة الغوامق في ثراء لوني بالمساحات الصغيرة يمتد لجميع العمل, فلم يكن لوناً نقياً صافياً تستطيع تحديد ماهيته، ولم يكن لوناً ملوثاً فاقد الهوية، بل ظهر لوناً غنياً معتقاً برائحة وعبق التاريخ ومشرقاً بحداثة ونورانية المعاصرة. أما حروفية خضر فتعالقت مع التشكيل، بل هي بنية تشكيلية حروفية لونية متفردة ولم تكن حروفية نصية جامدة أو استلهامية مغرقة في الإيحائية فهو تمرد على جميع التصنيفات وصاغ شخصيته الفنية بهدوء ورصانة وتعالقَ الحرف مع اللون والشكل في بناء خاص بعبد الرحمن ذي تنوع وثراء في العناصر، فتعامل مع الحرف وتراكيبه كعنصر في نسيج مكتمل من أشكال وألوان وبناء عميق الدلالة والحس، ولم يتوقف اهتمام خضر بأدق تفاصيل العمل وخروجه بشكل نقي ومتقن، بل امتد إتقانه واهتمامه بإخراج العمل وإطاراته فهو حريص بأن يصل للعمل المكتمل من جميع الجوانب، وهو ما وصل إليه بإتقان وتمكُّن.