تزخر مملكتنا الحبيبة بمواهب عدة من الشباب الطموح والمتسلح بالثقافة والاطلاع وهذا ما أدعو إليه دائما في أطروحاتي النقدية، أنا هنا لا أجامل بل هي الحقيقة التي أراها ، فقد تشرفت بحضور احتفالية وزارة الثقافة والإعلام ممثلة في وكالة الشؤون الثقافية في معرض الفنانين الشباب تحت سن 36 في دورته الثانية لهذا العام 1432ه ،وتميزت مشاركات الشباب في هذه الدورة بتنوع الأساليب الفنية المعاصرة المقدمة من خلال أعمالهم الفنية وبقراءة فنية لأعمالهم الفائزة بجوائز المعرض من خلال لجنة التحكيم المكونة من د علاء الدين محمد حسن و د عادل ثروت - من كلية التربية قسم التربية الفنية والأستاذ سمير الدهام فنان تشكيلي - والأستاذ عثمان الخزيم- فنان تشكيلي ،نستعرضها باختصار من خلال لوحة (جمود ) للفنانة مشاعل الكليب فقد اتسمت لوحتها بالجرأة والقوة من حيث اللون والخط وهذا يدل على ما تملكه من قدرة وثقة في نفسها لتقديم عمل فني بالصورة التي تطمح أن تصل بها إلى ما تريد وقدمت عملين تجريديين بألوان الاكريليك ذات مساحات لونية متناسقة وبدراسة فنية تنم عن خبرة فنية مسبقة تكونت لديها في تمكنها من أدواتها الفنية واحتوائها للموضوع المقدم وقدرة على التعامل بحرفية جمالية في تكوين خطها اللوني وباستخدام لشخوص جامدة في العمل لتعطي معنى للجمود الذي رسمت إليه . عبد الخالق إسماعيل وقدم عبد الخالق إسماعيل نفسه بقوة من خلال ( تكوين ) بألوان الاكريلك في تتابع متناسق وبمزج لوني مميز وباستخدام مدلولات هندسية وزخرفيه متداخلة ومترابطة فنيا مع وجود موسيقى لونية لحركتها داخل العمل ، و استغلال للعنصر أو المفردة التراثية بتوظيف موفق أعطى للعمل جمالا فنيا وحسن في الإخراج. وقدم حسن المصوف (ظلال من نور) ألوان اكريلك وهو عمل ذا خط لوني وشكلي متناسق ومتشابه في رابط بإيقاع لوني بين العنصر الحركي في العمل واللون واهتمام بإظهار للظل والنور مع تناغم وتراقص جمالي للشكل واللون أعطى للعمل خط فني ناعم ومرن . وجاء ت مشاركة محمد بنتن في عمله ( تحييد )بألوان الاكريلك في صورة فنية تراثية معتمدا على الشكل الهندسي التراثي المستوحى من بيئته وان كان الخط المتصل دون انقطاع المستخدم هو من كونّ هذه التشكيلات الهندسية من مثلثات ودوائر ليخلق ترابطاً منظماً متناغماً فنيا في العمل ، وخروج أرضية اللوحة بما يريد الوصول إليه للعنصر التراثي في المنارة والمئذنة وشكل الهلال مع انسجام تام للألوان الفاتحة المستخدمة وكأنها تكون سياجا على الغوامق بالخلف في صورة بديعية جعلت للعمل قيمة فنية عالية بموسيقى لونية. وقدمت إيمان الجشي (تكوين للحرف العربي) بألوان الاكريلك جعلت فيه الحرف الثلث يمتزج بحرية وإمتاع مع ارتباطه بأرضية العمل وتناغم مع اللون وكأن الحرف الثلث يظهر نفسه بقوته المعهودة من خلال جمالياته وتقاطعات حروفية بعضها البعض مع ترك مساحة لونية من الأصفر داخل العمل لتعطي الفسحة للعين للإبحار بحرية في اللوحة . قدمت سارا رقام ( تكوين) وهو عمل طباعي مكون من المتضادين الأبيض والأسود لتكتب سيناريو لفكرة ما في عمل تجريدي خالص بشكل تتابعي ومترابط بعيدا عن التشخيص المباشر في تداخل وتقاطع للخط ضمن عدة حلقات متصلة. وعبر محمد مجرشي في لوحته (تكوين) بألوان الاكريلك استخدم فيه الشخوص الخارجية للنساء دون الإيضاح في التفاصيل وبألوان معتمة لمدلوله العباءة النسائية لتزيد من غموض في العمل لإيصال فكرة ما يريدها الفنان واستخدم الضوء في زاوية اللوحة لإظهار قوة العتمة الموجهة لرأي العمل مع ترابط في عنصر العمل ذاته ، وكان استخدامه للألوان الدافئة موفق مع أداخل للأبيض بنسبة مقننة لإعطاء ضوء موزع بتناغم في العمل . وشارك حسين إسماعيل (ببور تريه ) شخص من خلاله تأثيرات الزمن على الوجه الإنساني باستخدام محدد للون يظهر فيه الضوء وتأثيره ليعبر بما يراه في البور تريه، والتركيز على المضمون وبدراسة للعنصر المستخدم لإظهار الوجه الآدمي بحرفية متناهية وتمكنه في التشريح لتعقبات الزمن على وجه الإنسان وهو يعكس حال المعيشة التي يراها المشاهد في عيني المرأة في البور تريه . وقدمت فوزية الصاعدي ( كسوة الكعبة ) بألوان الاكريليك وكان متميزا استوقفني عنده كثيرا لإعجابي به كثيرا في واقعية بتجريد لوني ارتبط ارتباطا مع العنصر الآدمي في العمل مما خلق انسجام تام بين العنصر والأرضية وتشكيلات الحرف العربي بخطه الثلث كما هو في خط الكسوة ليصنع إطارا لبؤرة العمل العنصر الأهم في عملها إلا وهو الكعبة المشرفة بتوزيع فني بديع في العمل أعطى له جمالا أخر، وبالمنظور الهندسي لإعطاء عمق للعمل يدخل المشاهد اللوحة من بوابة تمتع النظر بحروفيات مستقاة من العنصر الأساسي لخط الكسوة وهذا يوجد بالمخزون العقلي لدى المشاهد وان كنت أرى ولا اجزم بان هناك بعض التأثر بالفنان الرائد ضياء عزيز وهذا ليس عيبا . وفي النحت قدم علي الحسن (معاناة واختلاف)من البوكسي الحديد مثل فيه النزاعات الإنسانية بشخوص حقيقية وبحركات انفعالية وضح فيها قوته في التشريح للآدمي لإظهار القوة في العنصر الأساسي للعمل وإدخال لخامة الخشب في ترابط فني بين الحديد في صلابته الذي يمثلها الإنسان وبين الخشب في تطويعه لإيجاد علاقة تعبيرية لشد وجذب دائمة وهذا يدل على قدرته في الوصول بالفكرة الفنية بصورة خالصة لما يريده. لضيق المساحة اقتصرت قراءتي لهذه الأعمال وهذا لا يدل أن الأعمال الأخرى دون المستوى بل على العكس فالمعرض كامل وكان مميزا جدا في دورته الثانية وفيه تفوق الفنانين الشباب على الكثير ممن سبقوهم في المجال التشكيلي السعودي، وحقيقة أتمنى لهم التوفيق مستقبلا ليكون لدينا حركة تشكيلية سعودية لتسجل مدى التطور الذي وصل له التشكيلي السعودي على مستوى الجنسين ، وخلق روح من التنافس الشريف بينهم وتبادل الخبرات والتجارب الفنية ، والتحفيز لمزيد من التألق والإبداع والابتكار. مشاعل الكليب