حينما يفقد الوطن أيا من أبنائه فذلك بلا شك ليس خسارة لعائلته ومحبيه فقط.. وإنما للوطن الذي يعقد الآمال على عطاء ذلك الفقيد في أي حقل من الحقول.. لكن الخسارة أكبر حينما يكون من فقد رمزاً مخلصاً وطبيباً بارعاً وقمة من قمم التواضع والتفاني في خدمة من يعرفهم ومن لا يعرفهم.. وتلك الصفات جميعاً تنطبق على فقيد الوطن الدكتور محمد المعجل الفرج الذي عرفناه (أنا وأخي محمد) عن قرب وفي جميع المواقع التي عمل فيها كان علماً من أعلام الإخلاص والعمل الجاد.. وفي مستشفى الشميسي (مجمع الملك سعود الطبي) وهو مستشفى عامة الناس وأبو المستشفيات كان الدكتور المعجل مديراً وطبيباً ومواسياً للمرضى بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى. كان باب مكتبه مفتوحاً مقابل مديرين لهذا المستشفى ولغيره من المستشفيات لم يكتفوا بإغلاق الباب وإنما وضعوا حارساً يمنع دخول المراجعين وهم بالطبع من المرضى المحتاجين للرعاية والعناية والابتسامة والكلمة الطيبة.. وقد وجدوا كل ذلك لدى الدكتور المعجل ومن بعده رفيق دربه الدكتور محمد المفرح الذي صاحب فقيدنا في مسيرتهما منذ دراسة الطب في ألمانيا ضمن الرعيل الأول من بعثات الطب حتى آخر مؤتمر طبي حضره الاثنان معاً في النمسا، حيث توفي الدكتور المعجل رحمه الله وأسكنه فسيح جناته أثناء حضوره المؤتمر. وعودة إلى شيء من حرصه على متابعة وتفقد عمله أقول إن جولاته في أقسام مستشفى الشميسي ثم في إدارة الشؤون الصحية بالرياض حينما أصبح مديراً عاماً لها مشهورة ومعروفة فهو لم يرسل يوماً من يقول للأقسام أو الإدارات إن المدير العام قادم لكي يستعدوا بل إن الطبيب ليجده فجأة بجانبه يشاركه الكشف على المريض ويناقشه في وصفة الدواء له كما أنه يستدعى من منزله في منتصف الليل فلا يتردد ولا يتذمر بل يأتي وقد قطع نومه وراحته ومع ذلك يلاطف المريض بلهجته (الحايلية) البسيطة.. وهكذا نريد من أطبائنا ومن مديري مستشفياتنا أن يكونوا قريبين من مرضاهم لا أن يكونوا في أبراج عاجية وهواتف مغلقة بعد انتهاء وقت الدوام ولعل الدكتور المعجل والدكتور المفرح من النماذج القليلة لمن جمعوا بين مهنة الطب والإدارة فحققوا النجاح في الحقلين بشهادة كل من عاصرهم وعرفهم عن قرب. رحم الله الدكتور محمد المعجل الفرج وجعل له من كل ضيق فرجا وجزاه الله خيراً على ما قدم لوطنه ومواطنيه ومرضاه عموماً وألهم أبناءه وذويه وزملاءه وتلامذته وأصدقاءه الصبر والسلوان وبارك في البقية من الأطباء المخلصين من أبناء هذه البلاد الذين يشهد لهم بالإخلاص والحرص على خدمة وطنهم ومواطنيهم في الداخل ويرفعون اسم الوطن في المحافل العلمية العالمية.