لا تصفو الحياة من الكدر في كل شأن، وهذا أمر بدهي على أكثر من صعيد فيها منذ الأزل، ومما يؤلم كل نفس رقيقة البعد عن من تحب بدءاً بالوطن والأهل وانتهاءً بكل ما له صلة بالعاطفة، ومن ذلك - القاسم المشترك - للشعراء فصيحهم وشعبيهم في نماذج شعرهم وتحديداً في غرض الغزل منه. يقول الشاعر جرير: حَيِّ المنازِلَ إذ لا نبتغي بدَلاً بالدَّارِ داراً، ولا الجيرانِ جيرانَا قالَتْ ألِمَّ بنا إنْ كُنْتَ مُنْطَلِقاً ولا إخالُك بعْدَ اليَوْمِ تلْقانا ما كُنْتَ أول مُشْتاقٍ أخا طَرَبٍ هاجَتْ لهُ غَدَواتُ البَيْنِ أحْزانا إلا أن البعد مهما طال أمده وتنوَّعت صُوَرَهُ ليس له أدنى تأثير على صدق عاطفة المحب أو مداها الشاسع. يقول الأمير الشاعر خالد الفيصل: تقول تنساني على البعد واقول ماهيب لي يا صافي الود عاده حاشا لهيب الوجد يبرد على الطول مثل الجمر وقّاد حدر الرماده لو غبت عن عيني بك القلب مشغول يا واحدٍ قلبي له الحب قاده بل ان من نماذج الشعر الشعبي العذبة ما ضمّنه شعراؤها وشاعراتها الإيثار في التعاطي مع طيف المحبوب في غيابه بصورة مؤثرة. تقول الشاعرة - أغاريد السعودية -: بنيت للأحزان من بعد فرقاك قصرٍ طويلٍ خالدٍ في حشايه ومنها - بيت شعر - يحمل روح التضحية العاطفية بعيداً عن التفسيرات النمطية الواهية.. وليس أكثر دلالة من صِدق تأثير بعد المحب عن من يهواه في قولها: يا ما على ذكراك قبّلت ماطاك حبك بقلبي باقيٍ له بقايه يفداك عمرٍ مابقا فيه يفداك غير العذاب اللِّي كتب له نهايه وتفداك روحٍ عاشت العام ويَّاك واليوم بعدك عايشه دون غايه ثم تختزل العمر بأسره في - حكاية - هي أحلى ما في العمر أَصَرَّ البعد أن يصيبها في مقتل: قضيت عمري معك يا حلو لاماك خط القدر في حبك أحلى حكايه..!