عملت في بداية حياتي ومنذ أن كنت طالباً في قطاعات كثير من موظفيها ينتمون للجنسيات الأوربية والأمريكية، بل إن أحد المهام التي كنت أقوم بها أثناء إحدى الإجازات الصيفية - كنت طالباً جامعياً وقتها- هي المشاركة في الأسبوع التعريفي للموظفين الجدد وغالبيتهم من الأجانب، والذين كانت لهم طريقتهم في تعلم اللغة العربية. لكن أحد الثيمات التي نبدأ بتعليمهم إياها هي مصطلح أي بي إم، و في ذاك الزمان الكل يعرف جهاز الحاسب (أي بي إم) وهي أول الحروف من ثلاث كلمات يحتاج المتعامل مع الثقافة السعودية تعلمها أو فهمها. أ ب م تعني إن شاء الله، بكره، معليش. ولا زلت أستخدمها مع زملائي الأجانب -تندراً- الذين يسألونني عن اللغة العربية السعودية... الإشكالية ليست في الكلمات وترجمتها حرفياً، ولكن في طريقة استخدامها ومدلولاتها النسقية المختلفة. فكلمة إن شاء الله، جميلة في معناها الحقيقي وتعني الاقتناع بأن كل أمر يحدث يتم بمشيئة الله أولاً وآخراً، لكن في الثقافة السعودية تستخدم الكلمة أحياناً حتى لا تعرف بالضبط ماذا تعني الإجابة. تسأل أحدهم عن أمر مستقبلي أو موعد أو عمل مطلوب إنجازه، فيجيبك إن شاء الله. على العين والرأس، كل شيء بمشيئة الله، لكن أريد الدقة، فيما تنوي فعله؟ هل ستأتي أم لا؟ هل ستفعل ذلك الأمر أم لا؟ وحينما تكرر السؤال يضيف عليها، إن شاء الله خير. أنا شخصياً أحب هذا المصطلح، لكن عندما أستخدمه مع أبنائي يعلنون توجسهم... بابا لا تتركنا ننتظر؛ حدد نعم أو لا، هل ستحضر لنا اللعبة أو تأخذنا للمشوار المطلوب أم لا؟ بكرة هي المفردة الثانية التي تتكرر دون التزام حرفي بها، وأشهر من يستخدمها موظفو الدواوين الحكومية والمدراء مع موظفيهم. فعندما تكون لديك معاملة تريد إنهاءها تجد الجواب منهم: راجعنا بكرة. وحينما تأتي بكرة تتكرر الإجابة راجعنا بكرة. عندما يتقاعس أحدهم عن تنفيذ عمل فتأتي لتلومه وتسأله يستخدم الكلمتين (إن شاء الله.. بكره) فتقع في حيص بيص؛ هل يعني غداً أم أنه مجرد تأجيل غير محدد الموعد؟ أما الكلمة الثالثة فهي (معليش) وهي تتكرر عندما تلوم أحدهم على عدم تنفيذ أمر ما، فيجيبك معليش. أو يستخدمها مع المفردتين السابقتين: معليش إن شاء الله بكره. لا تدري أهو يعتذر أم يعد أم يطلب منك أن تنسى الموضوع. تتفق مع أحدهم على موعد ما، فيقول لك إن شاء الله بكره. تأتي بكره وتنتظر فلا يأتي، فتسأله اين أنت، يقول لك معليش. الواقع أن الأجانب الذين لفتوا انتباهي لأهمية هذه المفردات في ثقافتنا السعودية أدركوا أنها ليست مجرد كلمات لغوية يجب تعلمها، ولكنها اختصار لثقافة شفاهية تعتمد العموميات وعدم الالتزام الدقيق بالمواعيد وبتنفيذ الأعمال في وقتها. يستخدمونها حتى يفهم القادم الجديد طريقة تفكير وتعامل السعوديين، وكذلك لمساعدته في مجاراة المجتمع السعودي وكيفية التعامل معه. أحياناً؛ بعض الأجانب بدلاً من أن نستقدمهم لنتعلم منهم الجدية والانضباطية نجدهم يتعلمون منا (أي بي إم) وما تحمله من الدلالات الثقافية المشار إليها. عزيزي السعودي، كم مرة استخدمت (إن شاء الله)، (بكره) أو (معليش) للتسويف أحياناً خلال الساعات أو الأيام الماضية؟ كم مرة كان الاستخدام حرفياً ودقيقاً وكم مرة كان مجرد كلمات تهربت بها من موقف معين أو التزام محدد؟