مهما تكن نتيجة الاستفتاء الذي سيجري اليوم في إمارة اسكتلندا في المملكة المتحدة«بريطانيا»، فإن الملفت أن عملية انفصال اسكتلندا عن بريطانيا إن جاءت نتيجة التصويت مؤيدة للاستقلال تمت بأسلوب حضاري ديمقراطي دون أن تراق نقطة دم واحدة. ومع أنه وحتى بدء الاقتراع لا أحد يعرف ما ستؤول إليه النتيجة، إلا أن جميع الرافضين لانفصال اسكتلندا والمؤيدين له يعملون وفق أساليب حضارية ديمقراطية دون فرض أو تعسف فضلاً عن استعمال العنف أو القوة العسكرية. فالمعروف أن الحكومة البريطانية لا تحبذ الانفصال، بل إن جميع الأحزاب البرطانية باستثناء حزب الاستقلال في اسكتلندا يرفضون انسلاخ اسكتلندا بعد أكثر من ثلاثمائة سنة، فقد انضمت اسكتلندا إلى تجمع من أربع إمارات، وهي إنكلترا واسكتلندا وويلز وإيرلندا الشمالية، لتكون المملكة المتحدة في عام 1707، وشكلت هذه الإماراتالمتحدة مملكة دستورية كانت ولا تزال إحدى الدول الكبرى، وحكمت أغلب أرجاء الكرة الأرضية في يوم من الأيام حتى كانت الإمبراطورية البريطانية توصف بأنها الإمبراطورية التي لا تغيب عن أراضيها الشمس. الآن بريطانيا تخلت عن معظم إن لم تكن جميع مستعمراتها، ووصل القضم والتقليص إلى كيانها وأراضيها، إذ إن انسلاخ اسكتلندا يمثل ضربة موجعة لكل الوحدويين البريطانيين الذين لا يمكن أن يتصوروا بلادهم بدون اسكتلندا التي تأتي في المساحة بعد إنكلترا، وتقع جميع المواقع والموانئ النووية البريطانية في مدنها الساحلية، كما أن نفط بحر الشمال يقع على السواحل الاسكتلندية، وتشكل هذه الإمارة مع إنكلترا الثقل الاقتصادي لبريطانيا، ولهذا فبقدر ما يضعف خروج اسكتلندا من المملكة المتحدة، إذ إن اسكتلندا نفسها ستكون مجرد دولة صغيرة في أوروبا مثلها مثل إيرلندا أو حتى بلجيكا أو غيرهما من الدول الأوروبية، إلا أنها لن تكون بمثل أهميتها عندما كانت ضمن المملكة المتحدة، التي ستتأثر هي الأخرى والتي وكما يتحدث بعض المحللين السياسيين والإستراتيجيين، هل ستبقى دولة عظمى وإحدى الدول الخمسة الدائمة العضوية بمجلس الأمن الدولي بعد أن تتقلص أجزاؤها. كل هذه المخاطر والخسائر يفكر الاسكتلنديون فيها كثيراً قبل أن يحددوا خياراتهم اليوم، إذ يعد تصويت اليوم خياراً صعباً ومفصلياً، وسيغير كثيراً من معايير القوى السياسية والاقتصادية والعسكرية في أوروبا بل وحتى العالم، إذ ستتراجع بريطانيا كثيراً إذا ما اختار الاسكتلنديون الانفصال والذي يعارضه نصفهم أو أكثر بقليل، ومع هذا فإن الجميع قلق مما سيؤول إليه هذا التصويت، البريطانيون وحلفاؤهم وخصوصاً الأمريكيين الذين أعلنت إدارتهم الرئاسية بأنها تؤيد بقاء اسكتلندا ضمن المملكة المتحدة، إلا أن الشيء الذي يقدره الجميع أنه ورغم أهمية هذه الخطوة إلا أن كل شيء يتم بهدوء وبسلوك حضاري وديمقراطي.