يقول جوزيف أديسون «الاحترام هو حارس الفضيلة» أغلب بلدان العالم مرت بظاهرة المجاعات، إنها أمر بيئي طارئ حيث احتضنت أقطار العالم بين فترات متباينة، وهذه الظاهرة عادة ما تكون مصحوبة بسوء التغذية الإقليمية، وأوبئة، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى معدل وفيات مرتفع بين جزء كبير من سكان البلد المنكوب، لكن هناك مجاعات غير متجذرة من نقص الغذاء، مجاعة أحدثتها الحاجة للظهور والتمركز البصري أمام الناس بسبب جوع التواجد والحضور، فالبعد الأساسي والدفين هو التسامي بين الناس، وذلك من خلال توثيق الأعمال الخيرية بفلاشات الكاميرا والحروف الإلكترونية ونشرها دون أدنى تفكير بأنهم قد جرحوا أعمالهم قبل جرحهم لمتلقينها. حقيقة لا أحب التعميم، لأن بعضا منهم فعلاً لطيف ومحب للخير ولكن بذله بأسلوب غير مقبول (فاستخدام الدواء بطريقة خاطئة قد يفاقم الداء)، بعض ضحايا هذه المجاعات تعزو أسبابهم إلى عدم الاكتفاء الصحي من الإطراء والتبجيل، أو بسبب وباء «شغف الكاريزما» الذي أفسد القيمة الصحية من الأعمال الجليلة، مما يؤدي إلى أعداد وفيات لروح العمل المبذول يستعصى إحصاؤها. قال سبحانه {يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} (2سورة البقرة 273) - فمثل هؤلاء الفقراء، والتي تشير إليهم الآيات القرآنية، هم الأحوج لصدقة الخفاء؛ فتعففهم ليس كِبراً بقدر ما هو عزة نفس وحفاظ على ماء الوجه، فمن أجلهم سن الله صدقة الخفيَة. إن الاحترام يُكتسب ولا يُطلب، إنه مشاعر ومكانة تكَلل بتاج الكلمات والأفعال فهي العرش الأساسي لملكية الشخص لذاته وحقه بأن يُحترم إقليمه الشخصي مهما كان يعج بالكوارث والمصاعب، إن ما يميز الاحترام هو عدم وجود أداة لقياسه، فلا يمكن أن تسأل أحدهم عن حجم احترامه لك، فالاحترام يبدأ بفرصة وينتهى بواقع. إن العمال في أرضنا قد عانوا لعقود من قسوة المعاملة الصادرة من «بعض الكفلاء»، كتأخير رواتب وكافة الإساءات التي يمكنكم تخيلها من أصحاب الأنيميا الأخلاقية، فذاكرة اليوتيوب تحفل بمشاهد مناقضة ومناهضة، فكيف لنا أن نتخيل شعورهم بعد هبوط أحفاد المدينة الفاضلة بالهدايا بين ليلة وضحاها ! نستطيع أن نلهم دون أن نقحم أحدهم وبالتالي سنأخذ أجراً مضاعفاً، فالإنسانية ليست حكراً على أحد، أعتقد أن الكثير منا شاهد تلك اللقطة التي امتنع فيها مواطن أجنبي عن قبول أموال رجل الأعمال وسط فريق من المصورين، إن عزة نفسه استحثته على الرفض مهما كانت أصداء الجوع والفقر تنطق فيه وتصدح، الفرق بينه وبين العمال هنا هو أن ليس لديه شيئاً يخسره أو يخشاه. يقول الشاعر الفلسطيني إبراهيم طوقان (الإحسان هو أن تصون وجه السائل من ماء المذلة والتشهير) إن الأداء المسرحي لعمل الخير لا يمت للإنسانية بصلة، وإن كثر جمهوره بين مدرجاته، رغماً عن وضوح موقف الدين إبان هذه السلوكيات وكيف أجرنا على حفظ كرامة هذه الفئة المكملة لنا، فإنني أرى هذه «الإيجابية الفلاشية» تخالف مسلك السعادة لدى المحتاج، فيتم استئصال أشلاء الفرحة المتبقية فيه، بقدرما تم تشهيره من حاتميات، فاللقمة التي تشبع ليست دائماً لذيذة!