إن حجم التداول اليومي البالغ 5.3 تريليون دولار في سوق العملات الأجنبية يجعل جميع الأسواق الأخرى تبدو صغيرة، وخلال الأشهر الأخيرة من عام 2013 وبداية عام 2014 أوضح تحقيق عالمي سريع أن هناك توسعاً في تواطؤ وتلاعب مزعومين بين متداولي العملات الأجنبية أدى إلى إحداث هزة في أكثر من عشرة مصارف كبيرة، واستمرت التحقيقات التي اكتشفت فضيحة أخرى بأن هناك تزويراً في معايير أسعار الفائدة المرجعية على القروض بين المصارف مثل التلاعب في سعر الليبور الذي تسبب في فصل عشرات المتداولين من أعمالهم وكلفت المصارف ما يقارب ستة مليارات دولار على شكل عقوبات تنظيمية وفقد ثلاثة رؤساء تنفيذيين وظائفهم. ورغم أن الهيئات التنظيمية أعطت تحذيرات صارمة بهذا الشأن، لكن دائماً ما يكتشف المنظمون التفافاً حول أية قواعد وهي نتيجة سلالة عقلية رعاة البقر الموجودة لدى بعض الذين يعملون في المجالات الأكثر ظلمة من عالم التداول مثل العملات الأجنبية والسلع الأساسية، ولكن كيف تقضي الهيئات التنظيمية على مثل تلك العقليات وهل في سبيلها للانقراض؟. وما زالت المصارف الاستثمارية الكبرى تحت ضغط قوانين ما بعد الأزمة المالية سواء من متطلبات رأس المال الأعلى، وأحجام التداول الراكدة في أنشطة الدخل الثابت والعملات والسلع أتت في زمن سيئ للغاية خصوصاً بعد اكتشاف عشرات الهيئات التنظيمية في جميع أنحاء أوربا والولاياتالمتحدة وآسيا من هيئة السلوك المالي في بريطانيا إلى وزارة العدل الأمريكية تعكف الآن على تحقيقات بخصوص المزاعم بأن المتداولين استخدموا غرف الدردشة وأشكال الاتصالات الإلكترونية لمشاركة معلومات الزبائن والتواطؤ للتلاعب بالمعايير اليومية لأسعار العملات. وغالباً ما يصعب التمييز بين صناعة السوق والتحوط عن تداولات البنوك لحسابها الخاص وهو ما جعل الغرف التجارية في الولاياتالمتحدة قلقة من قاعدة فولكر المثيرة للجدل الناتجة عن قانون دود - فرانك لعام 2010 والتي تقيّد تداولات الشركات المالية لحسابها الخاص، في الوقت الذي يضع فيه المنظمون اللمسات الأخيرة على أحد البنود الرئيسة في الإصلاحات المالية الجذرية في الولاياتالمتحدة. ويسعى (وول ستريت) لتليين القاعدة ونقلت للمنظمين قلق البنوك حول الجدول الزمني للالتزام فيما يعتبر المنظمون أن الأمر من الأولويات لاستكمال القاعدة، ولكن الغرف التجارية في الولاياتالمتحدة يعتريها قلق من أن تؤثر القاعدة على تقييد النشاطات المشروعة مثل صناعة السوق والتحوط والتي تضع الاقتصاد الأمريكي ضمن وضع تنافسي سيئ. والأمر لا يتوقف على قاعدة (فولكر)، بل يتطلب إصلاح البنية القديمة لسوق العملات الأجنبية التي لا تزال تعتمد على الهاتف أو التداول الصوتي بدلاً من طلبات إلكترونية أكثر شفافية تتم عبر البورصات، بجانب غياب شبه تام للرقابة التنظيمية، ومنع هيمنة نادي مريح لمتداولي المصارف الكبرى على السوق وتمثّل المجموعات الأربع دويتشه بانك، وسيتي جروب، وباركليز، ويو بي إس، تسيطر وتتحكم بنصف سوق التداول وهي سوق غير شفافة لأنها تعطي هذه المصارف الأربعة ميزة معلومات تسيطر على عملائها من سلوكهم وتحركات مناوراتهم في سوق تتميز بتقلبات كبيرة في الأسعار وبشكل يومي فلم تعد هناك سرية للمعلومات الشخصية للعملاء.