أحد المثقفين السعوديين الذين سعدت بالالتقاء بهم في رحلة جوية لساعات طويلة تخللها حديث في أكثر من شأن لعل منها ما أطرحه هنا، وفحواه أن صفحات التاريخ العاطفية في الحب - على حد قوله- الذي يُمثِّلُه - شعر الغزل، على وجه التوثيق فصيحه وشعبيه لا يبدو وميض التفاؤل وضاء في جبين صفحاته، بل امتزجت البسمة فيها بالدمعة وإن أخفى الشعراء -الأخيرة- إلى حين، إلا أنها لم تغب عن مشهد توجّسهم، واستشهد بقول الشاعر أبو العتاهية: سَيُعْرَضُ عَنْ ذِكْري وَتُنْسَى مَوَدَّتي وَيَحْدُثُ بَعْدِي لِلْخَلِيلِ خَلِيلُ! وتناول الموضوع من زوايا متعددة تتجاوز الاستشهاد بالأبيات إلى الأسباب والنتائج وهو أمر يطول شرحه اختزل ما يهدف إلى فحواه بقول الشاعر مجنون ليلى: وَقَدْ زَعَمُوا أَنَّ المُحِبِّ إِذَا دَنَا يَمِلُّ وَأَنَّ الْبُعْد يَشْفِيْ مِنَ الْوَجْدِ بِكُلٍ تَدَاوَيْنَا فَلَمْ يُشْفَ مَا بِنَا عَلَى أَنَّ قُرْبَ الدَّارِ خَيْرٌ مِنَ الْبُعْدِ وأضاف أن المنطق قاسم العاطفة الثنائية في سيادة الموقف فيما يخص قصائد الغزل، مستدلاً بقول الشاعر أبي فراس الحمداني: مُعَلِلَتي بِالْوَصْلِ والْمَوْتُ دُونَهُ إِذا متُّ ظَمْاناً فَلاَ نَزَلَ الْقَطْرُ ثم عرّج على نماذج من الشعر الشعبي كقول ابن شريم: يا طول ما طاول نسيم الهوى لي من قبل يبدي لي من الوقت مجفاه اعتضت من عقب الجديد السمالي ولا ينفع الفايت ولو قيل ما أحلاه مؤكداً أن النهايات الحزينة توأم للبدايات العاطفية الحالمة في أعذب نصوص شعر الغزل، تماهياً مع قول الأمير الشاعر سعود بن بندر: حبي لك أبلغ من جميع الأساطير ماله بقاموس الهوى وصف ثاني لا شك أنا أشعر بالنهاية وش تصير وأحسب حساب فراقنا بالثواني بيني وبينك واقع الحال تحذير وعند الموادع ما تفيد الأماني بل إن النهاية قد تكون بقرار أحد الطرفين وبقسوة، على النقيض مما يخطر في بال كل حالم، ناهيك عن طرفي الشأن العاطفي في القصيدة وهو ما قاله الشاعر ماجد الشاوي: ذي رسايلك تحرقها براكين غلِّي وبين طيفك وقلبي كبريائي ستار وقال الظروف تُغيِّر الأحوال (Circumstances alter Cases)، ولعل أدق توثيق شفافية الشاعر صنيتان المطيري ذات نهاية حب كما تحمل طيّات قصيدته وصف هذا الحال حينما قال: الله واكبر من يقول الهناء دام شوفي عجايب لعبة الوقت فيني قبل أمس لاغبتي يجي الليل ما نام واليوم صرت أستغرب إنِّك تجيني نضحك على أنفسنا والأيام قدّام نحلم.. ونحلم والحقيقة تبيني!