الحبّ كِمّ ذايقٍ منه ليعات من عصر نوح وجاي ماله عداد (عبدالله بن سبيل) يمتاز شعر الغزل في أدبنا العربي وفي أدبنا العربي وفي شعرنا الشعبي، وربما في كل الأشعار ولدى كل الشعوب، بأنه فن خالص يصدر من صادق المشاعر وأعماق القلوب، بعكس شعر المديح والتكسب، أو شعر الهجاء والثلب والسب، أو شعر الفخر والمباهاة، ولا يضاهي شعر الغزل (غير المصنوع) في الصدق إلا شعر الرثاء في الأبناء والأمهات والآباء، فهو شعر يصدر من القلب، ولهذا يخلو من التكلف والمبالغة.. كما أن الغناء الذاتي بمواجد النفس سواء في شكواها من الحب أو الحزن أو ظروف الزمان، أو طربها مع لقاء الحبيب أو تحقيق الآمال، كل ذلك أقرب للفن الصادق والشعر الخالص من أغراض الشعر الأخرى وخاصة المديح الذي التهم جل شعرنا العربي لأن الشاعر في تاريخنا القديم كان هو وزارة الإعلام وكانت تغدق عليه الأموال فيصرف منه للمديح ويصنعه صناعة ويتكلف له.. * * * ومن شعر الحب والغزل في أدبنا العربي قول الأعشى (صناجة العرب أو بشير والذي دفن في منفوحة): (كأنها درة زهراء أخرجها غواص (دارين) يخشى دونها الغرقا قد رامها حججاً مذ طَرّ شاربه حتى تسعسع يرجوها وقد خفقا لا النفس توئِسه منها فيتركها وقد رأي الرغب رأى العين فاخترقا وماردٌ من غواةِ الجنِّ يحرسها ذو نيقةٍ مستعدٌ دونها ترقا ليست له غفلة عنها يطيف بها يخشى عليها سُرى السارين والسرفا في حومٍ لجةٍ آذيٍ له حدبٌ من رامها فارقته النفس فاعتلقها من نالها نال خُلْداً لا انقطاع له وما تمنى، فأضحى ناعماً أنقا تلك التي كلفتك النفس تأملها وما تعلقت إلا الحين والحُرُقَا» وفي هذه القصيدة تشوق شديد للحبيب وصل حد (التحرق).وفيها توثيق تاريخي لحالة الغوص في الخليج قبل أكثر من أربعة عشر قرناً حيث مات الأعشى سنة 8ه وكاد يسلم ولكن كفار قريش صدوه عن ذلك خوفاً أن ينصر الإسلام بشعره، فحين علموا بعزمه للقدم إلى المدينةالمنورة للإسلام تصدوا له بين مكةوالمدينة وأكرموه وضيفوه وقالوا له إلى أين يا أبا بصير؟ فقال: إلى محمد (صلى الله عليه وسلم) كي أسلم، قالوا: ولكن الإسلام يمنعك من النساء (أي بغير الطريق الشرعي) قال: أنا شيخ كبير لا رغبة لي في النساء، قالوا: ويمنعك من الخمر.. فتوقف هنا إذ كان مدمناً وفكَّر ثم قال: سأعود إلى بلدي وأشرب سنة ثم أسلم، فعاد فسقط من ناقته فاندقت رقبته ومات، لشقاوته، وما لأمر الله من راد.. الشاهد أن الأعشى وثَّق حالة الغوص في الخليج من قديم، فذكر غواص (دارين البلدة المعروفة الآن في المنطقة الشرقي ة) وتحرق هذا الغواص على (درة زهراء) أخرجها من أعماق المحيط بعد جهد جهيد وهي التي تسمى في الخليج (الدانة) لأنها أجمل اللؤلؤ وأثمنه وأكبره، فهو يشبه شوقه لمحبوبته بشوق ذلك الغواص لتلك الدانة، ويشبه جمالها وندرتها بتلك الدرة الزهراء، ولكن الغواص ظفر بدرته والشاعر لم يظفر بها فلم ينل غير الحزن والتحرق.. وقوله: في حوم لجة آذي له حدب من رامها فارقته النفس فاعتلقا يصور مشقة الغوص ومكابدة الغواصين العرب من قديم، فاللجة هي البحر الزاخر، و(الآذي) هو الموج الشديد له حدب أي نتوء وارتفاع واصطفاق يهلك الغواصين إلا ما ندر.. * * * ومن شعر الغزل الجميل في مأثورنا الشعبي هذه الأبيات للشاعر عبدالله الدويش من أهالي الزلفي: لي صاحب ما قف طويق مقره بين الخشوم والنايفه والزباره عسى مراويح السحايب تمره وتنثر دقاق الما على جال داره حيثه سقاني من ثناياه مره وقطفت من بستان غالي ثماره وأصبحت كني مالك المجره لو أني أذكر عقب هذا زياره * * * وقد عبر عبدالله بن طاهر عن طبيعة العربي في الحب والحرب قال: نحن قوم تذيبنا الحدق النجل على أننا نذيب الحديدا.. طوع أيدي الظباء تقتادنا العين ونقتاد بالطعان الأسودا نملك الصيد ثم تملكنا البيض المصونات أعيناً وخدودا فترانا يوم الكريهة أحراراً وفي السلم للغواني عبيدا...! * (العين) في البيت الثاني بكسر العين جمع عيناء وهي واسعة العين جميلتها.. * الصيد في البيت الثالث الرجل القوي الرافع العنق فخراً وكبراً.. * * * ويذكرني حنين الأعشى لمحبوبته بقول شاعرنا الشعبي دبيان بن عساف: يا عشيري ترى لولا العيون النظاير كان جيتك على الوجنا الوحيدة وحدها والله انِّي على الهزعي غليل الضماير لو ذلولي من المطراش وإنٍ جهدها مشتهٍ مرتك لو كان بيعي خساير من حسب فايت الدنيا يبذه عددها يا وجودي على هرجة خفي السراير وجد خطو العجوز اللي توفي ولدها كل ما حل له طاري تهل العباير كل ما قيل يا المرحوم تصفق بيدها شبه خلي تقود الصيد لا صار ذاير عين شيهانة خرس الليالي هددها دانة ما أحرزوها مالكين التجاير حايزه جنس عدم وصفها في بلدها