عندما يكون الوطن في خطر، فإنَّ المسؤولية الوطنيَّة تفرض علينا إعلان النفير العام، واستنفار كل الجهود والإمكانات لمواجهته ورده إلى نحور أصحابه والقائمين به. ولبنان اليوم يعيش هذا الخطر، ويواجه هجمة إرهابية غير مسبوقة، عملت على خطف بلدة عرسال وأسر أهلها ومهاجمة المراكز العسكرية والأمنيَّة الموجودة فيها. هذا الأمر ليس حدثًا أمنيًّا عابرًا، على صورة الحوادث التي تنتقل بين المناطق. هذا الأمر هو لعنة نزلت على لبنان، ومن المستحيل على الكبار والشرفاء والأحرار في أمتنا أن يقفوا منها موقف المتفرج، وألا يقرنوا أقوالهم بالفعل، فيبادروا إلى نصرة لبنان وجيشه ومؤسساته الأمنيَّة الشرعية، ويتخذوا القرار السليم في الوقت المناسب، ولا يتركوا البلد الذي أحبوه ودافعوا عن صيغته ووجوده نهبًا للرياح الإرهابيَّة الصفراء التي تهب على المنطقة. وها هو خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبدالعزيز، أعزه الله سبحانه وتعالى ورعاه، يعلن الوقوف مع لبنان في مكافحة الإرهاب وفلوله المسلحة، ويضع خطابه التاريخي الذي وجّهه قبل أيام موضع التنفيذ، تأكيدًا للصرخة التي أطلقها، منبهًا ومحذرًا من تنامي الإرهاب وقصور المجتمع الدولي عن مكافحته، ودعوته القادة والعلماء إلى الوقوف «في وجه الإرهابيين الذين شوّهوا صورة الإسلام ونقاءه وصفاءه وإِنسانيته، وألصقوا به كل الصفات السيئة بأفعالهم وطغيانهم، ويحاولون اخطاف الإسلام وتقديمه للعالم بأنّه دين التطرف والكراهية والإرهاب». الإرهاب سرطان يُهدِّد وجود لبنان، بل هو يُهدِّد المنطقة كلّّها بانتشار الفوضى والفتن، واستئصاله مسؤولية الدَّولة ومؤسساتها، التي لم تبخل في تقديم الأرواح والتضحيات، فداء لكرامة اللبنانيين وسلامتهم. ومن هذا المنطلق، وجه خادم الحرمين الشريفين، وحرصًا من مقامه الكريم على حماية لبنان ودعم مؤسساته، والتضامن مع شعبه في مواجهة المخاطر الداهمة، وجه بتقديم دعم فوري للجيش اللبناني وقوى الأمن الدخلي وسائر القوى الأمنيَّة الشرعية، قوامه مليار دولار يخصص لرفد الدَّولة اللبنانية بالإمكانات التي تتيح لها دحر الإرهاب ورده على أعقابه. وقد شرفني، - حفظه الله-، بالإعلان عن هذا الدعم والإشراف على هذا العمل الأخوي النبيل، وهي مسؤولية تحملني على التوجُّه إلى خادم الحرمين الشريفين، باسمي واسم اللبنانيين جميعًا، بالشكر والتقدير والعرفان، لهذا الدعم السخي، الذي يضيف إلى السجل الحافل للمملكة بدعم لبنان ونصرته في المحن، صفحة جديدة ستبقى أمانة غالية في ذاكرة الأجيال. بناء عليه، سأباشر فورًا بإجراء اتِّصالات برئيس الحكومة والوزارات والإدارات العسكرية والأمنيَّة اللبنانية، والعودة معها إلى البرامج والخطط والمشروعات، التي تلبي بالدرجة الأولى الحاجات الملحة للجيش والأجهزة، وتسهم مباشرة في توفير المستلزمات الممكنة والمطلوبة، لمكافحة ظاهرة الإرهاب. إن الوظيفة المباشرة للمساعدة التي قررها خادم الحرمين الشريفين واضحة ومحددة وهي تعني تخصيصًا الجيش اللبناني والمؤسسات الأمنيَّة التي يقع على عاتقها مواجهة الحملة الإرهابيَّة، وملاحقة المسلحين وبؤر التطرف في كلِّ مكان. إنني أتوجه من هنا، من المملكة العربيَّة السعوديَّة إلى جميع اللبنانيين، مشددًا على أن وحدتنا الوطنيَّة هي السياج الذي يحمي بلدنا، ولا يجوز لأيِّ سبب كان، التضحية بها لمصلحة مشروعات خارجية هدفها استدراج الفتن والحرائق إلى لبنان، أو توريطنا في الحروب القريبة والبعيدة، والتطوع في معارك إنقاذ الأنظمة الطاغية. وحدتنا هي السلاح الأمضى بيد الشرعية والجيش للانتصار على الإرهاب. وسينتصر لبنان على الإرهاب بإذن الله، ولن يسمح لقوى التطرف أن تتخذ من أرضه، ساحة لنشر الشر والفتن، والإساءة لقيم الاعتدال والتسامح والحوار والتلاقي والعيش المشترك. الشكر الجزيل لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبدالعزيز، أعزه الله العلي القدير وحماه، والشكر موصول إلى المملكة العربيَّة السعوديَّة وشعبها الشقيق. وشكرًا لوسائل الإعلام التي شاركتنا، هذا اليوم الإعلان عن الدعم المشكور للبنان ومؤسساته العسكرية والأمنيَّة.