من عجائب هذا الزمان أن الطالب البليد يمكن أن يصبح عبقرياً عن طريق الواسطة والمحسوبية والمجاملة، بصرف النظر عن تحصيله العلمي الحقيقي. يحدث ذلك عندما يتم إغداق الدرجات بلا حساب من بعض المعلمين لمجرد الرغبة في مساعدة الطالب المتخرج من الثانوية العامة أو لتحقيق سمعة طيبة للمدرسة التي تخرج منها، أو لأهداف أخرى لا علاقة لها بالمستوى الحقيقي للطالب. وقد كنا نلاحظ الفرق الشاسع بين درجات بعض الطلاب في الثانوية العامة ودرجاتهم في الجامعة ونقول إن سبب ذلك ربما يعود إلى عدم قدرة الطالب على التأقلم مع نظام الدراسة الجامعية. فمن غير المتصور أن يكون الطالب متميزاً جداً أثناء دراسته في مراحل التعليم العام ثم يفشل فشلاً ذريعاً عندما يدرس في الجامعة. رئيس المركز الوطني للقياس والتقويم «قياس» الأمير الدكتور فيصل بن عبدالله المشاري يفسر لنا هذه الظاهرة ويحل اللغز! هو يرى، باختصار، أن المعلمين يمنحون الطلاب درجات مرتفعة لا يستحقونها وذلك بدافع المجاملة. ويقول رئيس مركز «قياس»، بحسب جريدة الاقتصادية، إن ما يحصل عليه الطلاب من درجات في المدارس الثانوية أقل مما يحصلون عليه في اختبار قياس. هذه الظاهرة خطيرة لأنها تؤدي بالتدريج إلى أن تفقد نتائج الاختبارات المدرسية قيمتها بالكامل وتصبح المستويات الدراسية للطلاب بلا معنى. وقد تؤدي إلى قتل حافز التفوق لدى الطلاب وصرفهم عن المذاكرة والتحصيل الحقيقي لأنهم يعرفون أنهم سيحصلون على درجات مرتفعة دون عناء وأنَّ لا فرق بين من سيحصل على درجات علمية بجهده ومن سيحصل عليها بدافع المجاملة من المعلمين. ومن المؤسف أن هذه الظاهرة تسيء إلى مستوى التعليم في المملكة حين يتقدم الطالب للدراسة في جامعات خارج المملكة. وليس سراً أن بعض الجامعات في الدول العربية التي قد يكون لدينا ملاحظات حول مستوياتها العلمية أصبحت تتحفظ على مستويات الطلاب المتخرجين من مدارسنا الثانوية لأسباب من ضمنها تضخم الدرجات بما لا يعكس المستوى الحقيقي للطالب. هل نقول إن هذه الظاهرة هي جزء من النزعة «الاستهلاكية» التي طغت على مجتمعنا في العقود الأخيرة حين أصبح الشغل الشاغل للكثيرين من أفراد هذا المجتمع هو اقتناء أغلى وأفضل المنتجات الاستهلاكية، وأن الشهادات العلمية هي مجرد مُنْتَج استهلاكي آخر!؟ الأمر يحتاج إلى معالجة بعد أن دخل المركز الوطني للقياس والتقويم «قياس» على الخط، فالمركز يعرف عمَّا يتحدث، ولم يعد الأمر مجرد انطباعات.