فاصلة: ((بين مبدأ إثارة الضحك لإراحة الذهن من التفكير، ومبدأ إثارة الضحك لإثارة الفكر أو للدعوة إلى التفكير، تأرجحت الكوميديا على طول تاريخها الطويل)) د. نهاد صليحة في كتابها «التيارات المسرحية المعاصرة». لا أعرف لماذا حين يتحول اهتمام المنتجين في رمضان من الدراما إلى الكوميديا لا يظهر لنا عمل كوميدي واحد على الأقل يتطرق إلى داعش وأثرها الذي ينهش في جسد العالم الإسلامي بأكمله؟ الكوميديا السوداء التي لديها القدرة أكثر من الدراما في نقد السلوك كان بإمكانها أن تقدم رسالة إنسانية للجماهير المتابعة ويمكنها أن تخلق وعيا لا يمكن للدراما أن تصنعه تجاه خطورة الإرهاب، فلماذا تخلى المنتجون أو كتاب السيناريو الذين يقدمون الكوميديا عبر برامج او مسلسلات عن دورهم تجاه كشف مغالطات وسلوكيات داعش؟. إذا كان الجمهور هذا العام انتقد برنامج «واي فاي» لتقديمه بعض التهريج؛ فما زلت أؤمن بأن ما قدمه هو نوع من الكوميديا الساخرة فهي نوعان: ساذجة تعتمد على الهجاء البذيء، والضحك المتتابع، وأخرى راقية تعتمد على الصراع الدرامي بين المواقف والشخصيات والقيم غير أني شخصيا أميل إلى دعم الكوميديا الراقية لتأسيس حركة فنية ناضجة؟ الكوميديا فن عميق، ومن أشهر الكوميديا السوداء الكوميديا الألمانية عن الإرهاب الستاليني في الفيلم الكوميدي «فندق لوكس» الذي استطاع إيجاد توازن بين تاريخ تراجيدي وشكل كوميدي ساخر. اثنان من نجوم الكوميديا الألمان يذهبان في الفيلم إلى موسكو في الثلاثينيات ليجدا أنفسهما في دوامة الحرب العالمية الثانية. معظم أحداث الفيلم تدور في الفندق الروسي المشهور «لوكس» الذي شهد على الواقع أحداثا درامية لكن الفيلم استطاع أن يمزج التاريخ بحكايات مختلقة ذات طابع كوميدي ويمرر للمشاهد فظائع وجرائم الحرب دون إغراق في التراجيديا. والسؤال لصناع الكوميديا لدينا: هل من الصعب استثمار فظائع داعش في عمل كوميدي؟ لماذا غاب عن ضمير صناع الكوميديا الفنية استخدام هذا الفن في محاربة إرهاب داعش. لقد باتت داعش أقوى من أي ظاهرة اجتماعية يمكنها أن تفتك بأي مجتمع لا يقاومها، والفن وبخاصة الكوميديا يستطيع أن يبني وعيا جديدا يتقبله المشاهد الذي يميل إلى الكوميديا ويقبل منها ما لا يقبله من التراجيديا. لعلنا نتأمل أن نرى في القريب عملا فنيا كوميديا يفضح داعش كإرهاب شنيع يفتك أجيالا بأكملها.