بالرغم من الإنتاج الدرامي الضخم (عدداً) للممثلين السعوديين خلال شهر رمضان الحالي، حيث بلغ عدد المسلسلات السعودية في مختلف القنوات العربية التي نافست التليفزيون السعودي على شرائها وفتحت ذراعيها لها من أجل مداعبة المعلن السعودي، 17 مسلسلاً، بينها اثنان دراميان هما «لعبة الشيطان» و«السلطانة»، أما بقية المسلسلات فهي «أقرب» إلى الكوميديا كمسلسل «طالع نازل» من بطولة عبدالله السدحان، و«شفت الليل» لمشعل المطيري، و«من الآخر» للمنتج حسن عسيري، و«هشتقة» من إنتاج وبطولة فهد الحيان، و«مضارب بني قرقاص» بطولة بشير الغنيم، و«ملحق بنات» لعامر الحمود، و«هوامير الصحراء» من تنفيذ عبدالله العامر، إلا أن ذلك الإنتاج لم يرقَ لطموح المشاهد وذكائه، حيث تحولت تلك الحلقات ذات النكهة الاجتماعية السعودية التي أسقطت معظمها في قالب كوميدي لا ينتمى إلى عالم التمثيل المحترف، ولا حتى البدائي منها، فلم يحققوا بذلك احترافية الكبار، ولم يستفيدوا من ارتجالية الإغريق «مؤسسي الكوميديا» عندما كانوا يحتفلون في أعياد ديونيسوس «إله الخصوبة» بموسم الزرع، حيث كان ينغمس المبدعون منهم في الغناء والسخرية وتبادل النكات. لقد أخفق معظم الإنتاج السعودي الدرامي والكوميدي بشكل خاص هذا العام عندما اعتقد الممثل السعودي أن التهريج هو الطريق لإضحاك المتلقي دون إدراك أن كلمة كوميديا لا تفترض دائماً وجود الضحك. إن مسؤولية ذلك الإخفاق رغم وجود منبر التليفزيون منذ ربيع الأول من عام 1385ه «1965م» وبداية البث الرسمي من محطتي الرياضوجدة بالأبيض والأسود، لا يعود فقط إلى «ثقل دم» بعض ممثلينا، بل كذلك إلى عدم وجود كتاب القصة والرواية الدرامية الحقيقيين، ما أفقد العمل الدرامي تماسكه، وعدم وجود نقاد فنيين على مستوى عالٍ من المهنية، والمنتج المتخصص الذي يدرك أن البقاء للأفضل والأجود من الأعمال وأن الدراما شكل من أشكال الفكر وعملية لا تكتمل إلا من خلال باثٍّ ومتلقٍّ، فهي كما تتطلب مؤلفاً ومنفذين تتطلب المشاهد وردة الفعل لديه، فبدون المشاهد لا دراما كما يقول الناقد الفني أحمد سماحة، فالدراما عندما تكتمل عناصرها وتمارس تكون كطقس يلعب فيه الفعل ورد الفعل دوراً كبيراً. ولكي تكتمل تلك العناصر يترتب على جامعاتنا ومؤسساتنا الأكاديمية فتح الأقسام المتخصصة لممارسة ذلك «الفن» باحترافية وإتقان، بدءاً من تأهيل المؤلف والممثل مروراً بالمخرج والمصور والناقد وجميع عناصر العمل الفني، وأن لا تخضع تلك الأقسام لمزاجية الإغلاق إرضاءً لأطراف أيديولوجية كما فعلت جامعة الملك سعود قبل أكثر من ثلاثين عاماً عندما أغلقت أول كلية متخصصة في الفنون والدراما. كم نتمنى أن ينتهي هذا «التهريج» سريعاً، وأن نرى أعمالاً درامية تليق بإمكانات الفنان السعودي وذائقة المشاهد دون إسفاف، وأن تكون امتداداً حقيقياً لمؤسسي فن الدراما السعودية الذين أوجدوا الدراما الملتزمة التي تحترم المشاهد بعيداً عن التهريج المبتذل، أولئك الرواد كأمثال المبدع لطفي زيني الذي يعدّ أول فنان سعودي يطل بمهاراته في فن التمثيل في التليفزيون السعودي عام 1385ه في مشهد المجنون، وكذلك المبدعين فؤاد ومحمد بخش ومحمد حمزة الذي أنتج لنا عدداً من المسلسلات الراقية في ذلك الوقت كمسلسل «أصابع الزمن» و«ليلة هروب»، إضافة إلى محمد العلي وبكر الشدي ومحمد الطويان وسعد خضر الذي أوجد أول فيلم سعودي روائي عام 1400ه وضع فيه «تحويشة العمر» فصور بكاميرا سينمائية واستُخدمت الهيلوكبتر في التصوير حتى يخرج عملاً مبدعاً يحترم فيه عقلية المتلقي وذائقته، قدوة حسنة للممثلين السعوديين الحاليين الذين نتمنى منهم أن يتعلموا كيف استطاع أولئك الأوائل تطوير أنفسهم رغم ضعف الإمكانات المالية آنذاك والقيود الاجتماعية وعدم تنوع القنوات التليفزيونية. لقد حان الوقت لوقف مثل ذلك الإنتاج الذي يستخف بعقولنا كمشاهدين، فقد انتهى زمن «محيميد» و«فؤاد»، وانتهى أيضاً عصر معاملتنا كأصدقاء في إحدى السهرات أو الاستراحات حيث نتبادل فيها عبارات «راحوا الطيبين» و«في تي قفا تاك» وغيرها من الألفاظ التي لا معنى لها داخل النص. نعم لقد حان الوقت للدراما السعودية للخروج من كركتر «طاش ما طاش»، وأن تنتقل إلى العمل الاحترافي في تبنيها إنتاج المسلسلات التي تقدم هموم المجتمع وسلبياته وإيجابياته دون «خفة دم» زائدة، وأخرى تبرز التاريخ السعودي من خلال أعمال درامية تليق بتراث المملكة وحضارتها وتنوعها الثقافي والسكاني، فالتمثيل هو مرآة حقيقية وعمود رئيس في المجتمعات المدنية يكشف حياة المجتمع ويوجهه ويشكل توجهاته.