السوق يغلق مرتفعاً 0.5 %    تقرير صندوق النقد الدولي "2024"    بيان للحملة الانتخابية: ترامب بخير بعد إطلاق نار بالقرب منه    موعد مباراة النصر والشرطة والقناة الناقلة    جبل خندمة.. معلم تاريخي من ارتفاعات شاهقة    استشهاد سبعة فلسطينيين في قصف للاحتلال الإسرائيلي على بيت لاهيا وحي الزيتون    نائب أمير مكة يشهد إطلاق وحدة المتابعة التنموية    الخلود يتعادل مع العروبة    وزير الداخلية يدشن عددًا من البرامج والمنصات الإلكترونية في كلية الملك فهد الأمنية    الرياض تستضيف «معركة العمالقة».. في أكتوبر    «نزاهة»: إيقاف 3 مواطنين من منسوبي «هيئة الزكاة» لحصولهم على مبلغ 2,232,000 ريال    ضبط 22373 مخالفًا للإقامة والعمل    حملة لضبط الدراجات المخالفة بكورنيش جدة    رئيس الشورى يستقبل السفراء المعينين حديثًا    21685 جولة على جوامع ومساجد جازان    معارك متبادلة تلغي أمل الصلح في السودان    الصيادون والرعاة يتسابقون على الدب الهملائي    بداية مثيرة لممتاز الطائرة    لجنة البنوك السعودية تحذر من العروض الوهمية في اليوم الوطني    أبطال آسيا للنخبة: أندية النصر والهلال والأهلي تُدشن المشاركات السعودية    "دهلوي" يشكر القيادة على ترقيته بالمرتبة الرابعة عشرة بوزارة الصناعة    انتهاء تطبيق قرار حظر العمل تحت أشعة الشمس    المملكة تدين محاولة اغتيال رئيس جمهورية القمر المتحدة    سفراء الكويت والأردن وليبيا: دور عالمي للمملكة في خدمة الإسلام ونشر قيم التسامح    نائب أمير جازان يرأس الاجتماع التنسيقي لمواجهة الحالات المطرية بالمنطقة    الهلال الأحمر ينظم فعاليات أسبوع التوعية بالإسعافات الأولية    "شانغهاي الساحرة" حدث إعلامي وسينمائي بالرياض    المياه تغمر شوارع فيينا وتجتاح منازلها جراء فيضان أحد الأنهار    "محمية تركي بن عبدالله الملكية" تختتم مشاركتها الناجحة في معرض كتارا الدولي للصيد والصقور 2024    جمعية البر بالمدينة تعزز السلوكيات الإيجابية للشباب    قطاع ومستشفى النماص يُفعّل "اليوم العالمي للعلاج الطبيعي"    المؤتمر الدولي الرابع حول مستجدات أمراض السكري يكشف عن طرق جديدة لعلاجات السكري    انطلاق أعمال ملتقى "استثمر في الصحة".. بالرياض    دارة الملك عبدالعزيز تصدر دليلًا معرفيًا محدثًا للمحتوى التاريخي لليوم الوطني 94    للصبر حدود.. روسيا تلوّح ب«النووي» ضد الغرب    استقالة الحكومة الأردنية.. وتوقعات بتكليف وزير التخطيط السابق    من أعلام جازان.. الشيخ القاضي علي بن شيبان حسن العامري    اتحاد الكرة في الكويت يستقيل    الأرصاد: فرصة لهطول أمطار رعدية مصحوبة برياح مثيرة للأتربة والغبار بعدد من المناطق    القويز: إستراتيجية «السوق المالية» جاءت لتحمي المستثمرين    «سلمان للإغاثة» يوزع 1129 سلة غذائية بالمهرة    لليوم الرابع.. «المسرح الخليجي» يواصل فعالياته    أخفت مرضها خوفاً من الشماتة.. رحيل ناهد رشدي في يوم ميلادها    «العالم الإسلامي»: نرحّب ببيان اجتماع مدريد المشترك بشأن تنفيذ حلّ الدولتين    الاكتئاب.. أزمة صحية عالمية.. كيف نقللها ؟    5 ممنوعات يجب تجاهلها عند السباحة    استثمار المحميات الطبيعية    أنغام على إيقاع الحب لجدة    رئيس المجلس الإسلامي في إثيوبيا: السعودية رائدة في خدمة الإسلام والمسلمين    "الشؤون الإسلامية" تنفّذ 58,470 جولة رقابية بجوامع ومساجد مكة المكرمة    عبقرية ملهمة    في إطار الجهود للحفاظ على الإرث المعماري.. ترميم وإعادة تأهيل بيت الكُتاب في جدة التاريخية    مزاد تمور العُلا يستقبل 110 أطنان في يومه الأول    حرارة جسم الإنسان كافية لتشغيل المصابيح    تقدير الدور السعودي التنموي    طائرة السعادة    خادم الحرمين الشريفين وولي العهد يعزيان القيادة الكويتية    وزير الحرس الوطني يستقبل وزيرة المشتريات الدفاعية البريطانية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حتّى يَقذفُني الحوتُ إلى البَرِّيَّة (2)
نشر في الجزيرة يوم 05 - 07 - 2014

الصبرُ ديدنُ الصحراءِ، الحِبرُ رهانات الأفق، وأنتَ على عهدِ أبيكِ أنَّك مِنْ صحراءٍ، وإنْ طاف في دمك حجازٌ وطرابلسٌ وقدسٌ وعجمٌ- تَتَرٌ. وإن كان بينك ولوركا دمٌ، وبينك والذيب في الأساطير دمٌ.
في البدءِ قبل الكلمةِ الملكة، كان الروحُ الذي يفكّر أن ينطقَ ما يفتنه، أن ينطقَ ما يَرى حتى يُرى. أنتَ مأسورٌ هنا قبل الكلمة، في الفكرة أنْ تتحرّكَ بيُسرٍ وسلاسة في الروح كراقصة أولمبية روسيّة فتنتْكَ صغيراً..
.. لكنّ خيالك الأربعينيّ اليوم يعجزُ أن يلمّ حركاتها في الذاكرة، أن يجعلها تمشي على الورق، وكيفما كانت قدرتُك على الكتابة عنها، فإنّ الحبرَ لا يُجيد فتنة الرقص:
* «أعوذُ بربّ النون والقلم من ورقوت وحبروت».
* فماذا أنتَ فاعلٌ؟
أُذكّرُ نفسي المجبولة على النسيان/ (والنسيانُ أرشفةٌ في الذاكرة)، فليس النسيان-التخزين ضدّ الذاكرة، هو جزءٌ منها، يكون مرّة لعنة وأخرى نعمة، أُذكّرُهَا بما لم أقله بعدُ لكنّي لاحظته مضطّرباً في أرشيفها، ثمّ أعدلُ عن ذكرى مخافةَ عواقب من ينكث في العهد ولم أبلغ خمسيني بعد، ومخافةَ أنْ يتلقفَهَا الوعيُ من وسم المخطوط الموسوم: حتّى يقذفني الحوت إلى البريّة، ويكون عدولي كماسح غبارٍ كثيف فوق كلامٍ عتيقٍ، ويبدو جليّاً صوت الماسحِ، فأعتصمُ بعلمه وكتمانه إذ يتلو عليَّ من نبأ العارفين ما هو منسوبٌ للزين:
«ورُبَّ جوهرِ عِلْمٍ لو أبُوح بهِ/ لَقِيْلَ لِي أنتَ مِمَّنْ يعبُدُ الوَثَنَ»
«ولاسْتَحَالَّ رجالٌ ديَّنُونَ دمِي/ يَرَونَ أقبحَ ما يأتونَهُ حَسَنَا»
على رسلكَ يقول الدليلُ الماسحُ: لستُ أمشي على الماء. لا أحد يمشي على الماء. ثمّ ما نفعُ إنْ مشيتُ؛ لا، ولستُ أمرُّ بكفّي على جبين المحمومين فأردُّ ما سُلِبَ من عافيةٍ، لا أمسح الخطايا. كلّ ما في الوسم أنّي مسحتُ غباراً كثيفاً وانجلى إذّاكَ ما توارى؛ وكانَ خراباً نابتاً يُشبه فكرة الإنسان، وكانَ بأمر اللهِ ما حلّ بين باديتين من دمٍ مسفوكٍ في خصامٍ، وآخر قد سُفِكَ عهداً؛ وأنا على وعي وقصدٍ سفكتُ دمي من يدي وبيدي عهداً كيما أنسى الذي وقف على القلب بين بعثٍ وعبثٍ.. وقال العهدُ: (لا تُؤْذ غريباً أو قريباً) ولكَ إذّاكَ ما تشاءُ.
لست يونان وليست الدنيا نوناً؛ لستُ الزين، لكنّي على طرف باذخ في الغيابة الكاملة رأيتهم واقفين يتلون صلواتهم في مواقيت لله لا يعلمُها حَيٌّ، حتّى يخشعَ من صفاء نواياهم جمادُ، ويكادُ يَبِيْنُ فيه شيئاً من نَفَسٍ إنسانيٍّ؛ هكذا يستقرّ اضطراب كلّ حيّ في غرفات القلب، وبنعمةٍ من الله أنامُ، وبنعمةٍ منه أحيا صباحاً؛ فأينَ هي الآنَ نعمةٌ في القلبِ توارت نقمةً، ومثلي إنْ قتلْتَ بعضَهُ لعفا عنكَ دون ديّةٍ بعضُهُ الحيُّ.
لي اسمان: (اسمٌ مركّبٌ ومعلومٌ للدنيويّة واسمٌ مخفيٌّ للدينونة) كما لكلّ النَّاس، إن عرفوا أمْ غاب عنهم ظاهر الاسم وباطنه حتّى حين. اسم أحمله معي في كلّ مكان، واسمٌ لا يعلمه أحدٌ يحملني حينما لا تقوى على حملي قدمٌ أو أرضٌ، ويكون عصمتي حين تقوم الدنيا على أهلها، ويحال الموج بيني وبين الناس.
متنُ: الأربعاء
أتذكّرُ أنّ اليأس له قوّة لم أتجاوزها بعد أَو أنِّي أكادُ، لكنّي أظل أصارعه، وأخشى أنَّني لست يعقوب لأظفر به، لكنَّني أتذكَّر أنَّي قاومته ذات يوم على ناصية جبل في الأردن، وقاومته بأطراف بادية بالشّام وأخرى في الحجاز. وكانت نارٌ عظيمةٌ، واحتشدَ البدوُ حولها، وقال حكيمٌ: (العلّةُ في الناسِ، وليس محلّ العلّة في مظلمة المحكمة)، ثمّ تعالت ألسنة النار واستقرّت نسورٌ على بوّابة الغيابة الثانيّة، والحاجب نشرَ في الفجرِ قائمة المرافعات.
أعياني اليأسُ، لكنّه لم يلوِنِي عن رؤيتِي. فأنا كافلٌ ركبتيّ اللتين تستمدّان حيلهما من الشمس. وكانَ أربعاء لا يغتفر. إذْ أنّي أغفرُ الأيام جميعةً إلا أربعاء التَّاسع عشر من رمضان/ 1403. تَنبَّهْتُ مُذَّاكَ أَنّي ياءٌ. أنا الجذرُ لا فرعَ يُشبهُ تُربتِي. حِجَّتِي إلى قبلةٍ لا تستقرُّ إلى جهةٍ؛ كلّما دنوتُ بَعُدَتْ، كأنّي إذا ما وصلتُ انتهيتُ. حُجّتي إليّ: يا هذا التيه الماكث في روحي بلِّلْ روحي بشيءٍ من ندى الهدايات.. فإنّ الغيبَ أشفقَ على هذا التيه من الماكثين فيه. ولم تشفق أنتَ...
لكنّي، كلّما نَهضتُ من نومي المتقطّع -بسببِ ضيقٍ في شُعبِ الرئتين واضطراباتٍ في قلبي الخافق المعظّم- تأكّدتُ أنَّ الشمسَ آمنة ما زالت على ديدنها، شكرتُ اللهَ بِمَا يُصادِفُنِي من خشوعٍ صاف، ثُمّ طَمْأَنتُ ركبتيّ. وشَرَعْتُ على مهلٍ متناسقٍ أَنْحُلُ شريعةً للحبِّ المغدور بصاحبه تقومُ متعافيةً على هذا الكدر اليوميِّ، لكنّي أفشلُ كلّ نهارٍ أَنْ أعودَ إلى ذاكَ الفتى الذي كنتُهُ: وكانَ يكتب قصائدَ حُبٍّ، ويكذبُ كثيراً، ويتلصّص (1) ولا يخاف، ويالله كم مرّة و ضعت على نوافذ بيوت الجيران ورداً، وكم مرّة... يا ذاك الفتى المسحور بالعشق، الذي كَبِرَ في موسم العنّاب.
(1): هامشُ الأرملة
وكنتُ -قبل موسم العنَّاب في دمي- أرى رجلاً يضع وردةً في الظهيرة على باب جارةٍ أرملةٍ في (عمّان)، وفي الليل يضع رسالة عند دكّة النافذة، قبل أن تعود الجارة من المشفى، وكم مرّة قرأت الرسالة قبلها؛ حتى اختفى الرجل، وجاء من يقصّ على الحيّ، وعلى مسمعٍ من الأرملة: أنَّ المُخابراتِ اعتقلته لاشتباهات سياسيّة محظورة؛ لم تحزن، أو أنّها أحسنت كتمان الألم وهي العاملة الصابرة تمريضاً في وحدة علاج مرضى السرطان بالكيميائيّ، لكن ملامح وجهها تغيّرت، وكأنها لم تعد تلك الفاتنة فوق العادة.
في ظهيرة اليوم التالي، وجدتني أقطفُ وردةً وأتوجّه بها إلى باب الجارة... وكما تعوّدتَ ظهيرتها، فتحت الباب لترى الوردة فابتسم وجهها، وعادت ملامحه كما كان سابقاً...
وفي الليل كتبتُ لها رسالة حُبٍّ بالنيابة عنه، لكن الخطَّ لم يكن خطّه.
هذا بعضٌ ممّا جاء في كتاب: (فَضْلُ التلصُّصِ على الجيران).
متنُ: حرز القهوة العربيّة
مَنْ يَأْتَمِرُ؟ مَنْ سيِّدُ مَنْ؟ الطَّحينُ أَمِ الدِّيكُ؟
صباحاً يُعِدُّ الطحينُ الحياةَ؛ خبزَ الشمسِ، المنازلَ، تتغلغل أنفاسُه الذكيّة من فُرْجةٍ تحتَ أبوابِ الغرفاتِ. يُنادِي على الأولادِ، يُحْيي العِبادَ، يزيّنُ البلادَ. تنسى البيوتُ التي لم تصدأ روحها بعدُ بقناتي الجزيرة والعربية، تنسى حينذاك الدّوحةَ والنوحةَ، تستأنِفُ القهوةُ معاركها ضدّ رائحة الخبز.
في الخبزِ أملٌ، كلّ يومٍ حتّى حين، ويكونُ الأمر لهَا فيصحو باب البيت متعافياً للقاء: الشمس، الشارع التائه بالرطوبةِ، سيّارات الأجرة، الباعة الجوّالين، البنايات العتيقة، دكاكين الحمص، أفران المناقيش، الصحف البائتة، والحداثة المنقوصة الساذجة، خدعة العيش المشترك، أوهام المستقبل..
لكنّكَ، وها أنتَ تسترسل طويلا في الكلام عن باكورة الصباحات، بينما يصعبُ الأمرُ عليكَ أنْ تكتبَ عن خبرٍ يتسرّبُ أو يفلتُ بخفّةٍ في أوّل الليل فيشعلُ المساء جدلاً عن الدين والسياسة، البلاد، العدو، الحبِّ. أو مثلاً، ماذا تجيبُ ابنتك الكبرى حينَ تسألكَ: «ما الذي يمنعنا أن نُوقفَ إسرائيل عن جرائمها؟»ومن أينَ لِي حجّةٌ أو لغةٌ كاذبةٌ حتّى أحكي لها مثلاً: «أَنَّ ثمّة مشروع للسلام مع هذا العدو-المجرم، وأنّي لا أيأس انتظرُ الحلّ السلميّ منذ اتّفاق أوسلو»
ما الذي بقيَ للكلام من الكلام؟ أيّها الموهوم بالأمل: والمؤمنُ حدّ الخشوعِ أنّ البلادَ لأهلها، هذا حرز القهوة العربيّة، فاقْلِبِ الدنيا سِلْماً: إنّ الرؤيةَ واضحةٌ في القاع، وفي القهوة أملٌ أنّ البلادَ عائدةٌ إلى أهلهَا-وأنّه يَبْعَثُكُم حينَ تُصْبِحونَ


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.