ينقسم المستثمرون في أهدافهم الاستثمارية بين من يبحث عن التوزيعات النقديَّة ومن يبحث عن المكاسب الرأسمالية، حيث يهتم المسثمرون طويلي المدى بالتوزيعات النقديَّة وينظرون لها على أنها المردود الحقيقي من الاستثمار لاستعادة رأس المال وتحقيق العوائد المستهدفة بينما يهتم المستثمرون قصيري الأجل (المضاربون في العادة) بالمكاسب الرأسماليَّة وينظرون لها على أنها المردود الحقيقي من الاستثمار لاستعادة رأس المال وتحقيق العوائد المستهدفة، وهنا تكمن أهمية التوزيعات النقديَّة بالنسبة للشركات كوسيلة لجذب المستثمرين طويلي الأجل. تقوم بعض الشركات المدرجة في السوق الماليَّة السعوديَّة بإجراء توزيعات نقدية ربع سنوية أو نصف سنوية لمساهميها بهدف تقليل أثر التوزيعات النقديَّة على سعر السهم السوقي فيما لو تمَّت دفعة واحدة في نهاية السنة وهذا بالتأكيد تصرف حكيم ورائع، ثمَّ تقوم هذه الشركات عند انعقاد جمعياتها العامَّة للمساهمين نهاية كل سنة ماليَّة بإضافة بند تطلب فيه من مساهميها الموافقة على التوزيعات النقديَّة التي تمَّت للسنة الماليَّة السابقة، وهنا اسمحوا لي أن أطرح سؤالاً بسيطًا: ماذا لو رفض المساهمون إقرار هذه التوزيعات النقديَّة لأيِّ سبب من الأسباب؟ وكيف للشركة أن تسترد توزيعات نقدية سبق لها أن صرفتها لمساهميها؟ حتى نفهم أبعاد هذه المشكلة بشكل أعمق، يجب أن نضع في الاعتبار أن غالبية الشركات قبل إقرار هذه التوزيعات النقديَّة بشكل ربع أو نصف سنوي تقوم بأخذ موافقة مساهميها في جمعية عامة سابقة على إقرار توزيعات نقدية مستقبلية تدفع لهم بشكل ربع أو نصف سنوي، وفي واقع الأمر فإنَّ هذا يفتح الباب واسعًا لأن نطرح تساؤلاً بسيطًا آخر أكثر تعقيدًا من سابقه وهو: لماذا إذن نطلب من المساهمين (و للمرة الثانية) إقرار توزيعات نقدية سبق لهم إقرارها في جمعية عامة سابقة؟ وماذا لو رفض المساهمون إقرار التوزيعات النقديَّة في الاجتماع اللاحق؟ والأهم ما المخرج القانوني لهذه المعضلة التي يتناقض فيها قراران لجمعية عامة للمساهمين؟ وأي قرار منهما سيكون نافذًا يا ترى؟ نحمد الله عزّ وجلّ أننا لم نشهد حالة مثل هذه حتَّى الآن، لكن علينا أن ندرك أن هناك حالات مشابهة حدثت فعلاً في الجمعيات العامَّة للمساهمين في عدد من الشركات المدرجة بالسوق الماليَّة عندما رفض المساهمون إقرار بنود تتعلّق بتقرير مجلس الإدارة السنوي وبالقوائم الماليَّة (المركز المالي وقائمة الدخل) وبإبراء ذمم أعضاء مجلس الإدارة، ولذلك يتوجب علينا ألا ننتظر حتَّى لا تقع الفأس في الرأس وأن نسعى من الآن لتفادي مثل هذه الثغرات القانونية قبل حدوثها إن كنا جادين فعلاً في تطوير الأنظمة واللوائح المرتبطة بالشركات والسوق الماليَّة السعوديَّة والله أعلم.