شهدت أسواق المال في الإمارات خلال الأسبوع الماضي نشاطاً مهماً واستثنائياً انعكس على مؤشرات أدائها وفي مقدمها مؤشرات قيمة التداولات وحركة الأسعار، وهذا النشاط الإيجابي في الأسواق مصدره إفصاح بعض الشركات المساهمة القيادية عن نتائج أعمالها ونسب توزيعاتها، ما كسر الجمود والتراجع اللذين تعرضت لهما هذه الأسواق لفترة غير قصيرة، تحت تأثيرات عوامل سلبية اقتصادية ومالية واستثمارية وسياسية إقليمية وعالمية. وأعطت التوزيعات القياسية المقرة من قبل مجالس إدارات هذه الشركات إشارات إيجابية ومهمة إلى الأسواق والمساهمين والمستثمرين المحتملين وفي مقدم هذه المؤشرات قوة المركز المالي لهذه الشركات وسلامة مؤشرات سيولتها وقوة تدفقاتها النقدية العام الماضي مع توقعات استمرار قوة هذه التدفقات. ويفترَض بالأرباح النقدية التي تقرر توزيعها أن تكون فائضة عن الحاجة ولا توجد منافذ استثمارية لها داخل الشركات. وفي ظل تشدد المصارف في تقديم القروض إلى العديد من الشركات العاملة في قطاعات مختلفة، يفضل بعض الشركات الاحتفاظ بالسيولة لتعزيز رأس المال وإتمام المشاريع. ولا تسمح القوانين في العديد من أسواق المنطقة للشركات بتوزيع أرباح نقدية على مساهميها مصدرها أرباح غير محققة أو أرباح دفترية ناتجة مثلاً من إعادة تقويم الأصول وهو ما كان يحدث أثناء طفرة العقارات. وأعطت التوزيعات النقدية التي أفصحت عنها بعض المصارف الإماراتية مؤشرات مهمة إلى المستثمرين الذين يبحثون عن عائد مجز يتجاوز نسبة التضخم للحفاظ على القوة الشرائية لأموالهم في ظل الانخفاض الكبير في سعر الفائدة على الودائع، خصوصاً أن الفترة الزمنية الباقية على التوزيع لا تتجاوز ثلاثة أشهر. ويلاحظ أن مؤشر ريع الأسهم أصبح موضع اهتمام المستثمرين في الأجل الطويل، خصوصاً بعدما ارتفع إلى ستة أو سبعة في المئة لبعض الشركات. وساهم في ذلك الانخفاض الكبير في أسعار أسهم معظم الشركات المدرجة، بينما غاب الاهتمام الكافي بمؤشر ريع الأسهم أثناء طفرة الأسواق نتيجة المكاسب الرأسمالية الكبيرة التي تحققت ومصدرها الارتفاع الكبير في الأسعار. ولا يفضل بعض كبار مؤسسي ومساهمي الشركات المساهمة توزيعات نقدية عالية بل إعادة استثمار هذه الأرباح داخل الشركات لإيجاد نمو متواصل في أرباحها التشغيلية وفي قيمة أصولها وفي العائد بما يساهم في ارتفاع الأسعار في السوق. ونتيجة الأزمات المالية والاقتصادية والسياسية تقلص عدد الشركات التي توزع أرباحاً نقدية. وهنالك تضارب في المصالح بين إدارات الشركات وبين المساهمين في العديد من الشركات القيادية إذ تفضل بعض الإدارات توزيع أرباح كي يحصل مسؤولوها على مكافآت. وتلتزم شركات قيادية سياسة ثابتة للتوزيعات في كل الظروف فتأخذ في الحسبان عند التوزيع مصلحة الشركات ومصلحة المساهمين سواء خلال الرواج أو الكساد، وهذه الشركات موضع اهتمام المستثمرين في الأجل الطويل الذين يعتمدون على الأرباح النقدية الموزعة سنوياً في تغطية نفقاتهم المعيشية. * مستشار لأسواق المال في «مصرف أبو ظبي الوطني»