بادئ ذي بدء ما من إنسان على ظهر هذه البسيطة إلا ويتطلع إلى ذرا المجد فيقطف من ثماره اليانعة ما يتوق إليه من سعادة في هذه الدنيا.. فإذا كان الأمر كذلك فإن كلمة الله هي التي تدلف بصاحبها إلى سلم المجد.. وحينما أقول المجد فإني لا أعني به فقط مخرجات المجد في الدنيا فقط، بل مخرجات تفضي إلى دار الآخرة، فيطأ الإنسان بقدمه جنة الدنيا ومن ثم جنة الآخرة.. إن المجد يا أيها القارئ الكريم ليس مخرجات منظورة فقط، بل مخرجات غير منظورة تتمثَّل في السعادة التي ما من إنسان إلا وينشدها ولو كانت في الثريا لصعد إليها. إذاً فلكلمة الله عطاءات منظورة وغير منظورة، إن كلمة الله معناها هي الإيمان بالكتب التي نزلت والرسل التي أرسلت فمن أراد أن يطول سماء المجد بنوعيه فعليه التشبث بكلمة الله وهي العروة الوثقى، قال الله تعالى عنها في وحيه الطاهر {وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ}، إذا كان كل مجد مؤثل هو بيد الله فعلينا التمسك بكلمته وهي العروة الوثقى.. وقبل أن أخوض غمار هذا المقال فإني أحب أن ألفت نظر القارئ الكريم إلى معنى بياني في قوله تعالى (العروة) فلن يستطيع أحد أن يتمسك بأي وسيلة تواصل واتصال إلا إذا كان الحبل الممدود والوسيلة الممدودة لها عروة، إن كلمة الله هي الجسر الذي نعبره لنصل إلى ذروة المجد، إن الأمة الإسلامية، بل دعوني أذهب إلى أبعد من ذلك فأقول إن البشرية جمعاء بقضها وقضيضها عربها وعجمها لن تنال قصب السبق إلا إذا كانت كلمة الله هي الفيصل في حياتهم.. ما من خير سائح في هذا الوجود إلا من مخرجات كلمة الله وما من شر انبرى في هذا الوجود إلا ببعد البشرية عنها. إنه ما من أمة تتخبط في دياجير الظلام والضلال إلا بسب انفصال الأمة عن تلك الكلمة. إن أولئك الفتية الذين اعتزلوا قومهم بعد أن تنكبوا صراط كلمة الله ذهب هؤلاء الفتية يتشبثون بكلمة الله فكانت السعادة والرشاد قال الله تعالى {وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحمته ويُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقًا}. إذاً فمن أراد أن يهيأ له طيب العيش في كل مرفق من مرافق حياته فعله بهذه الكلمة. إن الأمم لن تسير في طريق النور إلا إذا كانت كلمة الله نصب أعينهم. إن آدمأبو البشر عليه السلام أسكنه الله جنة لا يجوع فيها ولا يعرى ولا يظمأ فيها ولا يضحى، وبعد ما أغواه الشيطان وابتعد عن وصية الله أخرج من هذه الجنة وسرعان ما عرف طريق الهداية فتاب ورجع إلى رشده بعد ما علم أن طوق النجاة هي كلمة الله.. إن البعد عن حضرة الله والانفصال عنه لهو الضلال بعينه والهلاك بذاته قال تعالى {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا}. إذاً فلن يعيش العالم بحبوحة العيش الرغيد والأمن الوارف إلا إذا ضرب أطنابه في كلمة الله. وإنه من مستلزمات كلمة الله هي أن نعلم ونثق بالله بأنه بيديه مقاليد هذا الكون فما من خافقة ولا ساكنة إلا يعلمها. إن الأمم والشعوب اليوم تعرف الأوامر وتغض الطرف عن الأمر وهو الله تعالى. إذا كانت الأوامر حجاباً تحجبا عن معرفة الله الحقة وأن نقدره حق قدره. أيها القارئ الكريم تعال معي لترى ثمرة كلمة الله ومخرجاتها الطيبة حينما تتشبث بها قال تعالى {الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} إذاً ثمن السعادة في الدنيا والآخرة هو تقوى الله ولا غير ذلك شيء. يا سعادة من فاز بدنياه وأخراه. إن الأمم إذا أرادت يوماً أن يصلح أمرها بالليل والنهار فما عليها إلا أن يكون ما بينها وبين الله عامراً بطاعته. إن مطالب الدنيا وغاياتها ستدنو من الأمم إذا أمسكت بيد الله قال تعالى {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ} فإذا قامت البشرية بعبادة الله كان الرزق الذي تتكبد أمره آناء الليل وكل النهار بين يديها، وإن الوفرة في هذه الحياة تتدفق من تحت أرجلها، وتنزل عليها من فوقها. إن كلمة الله ومعرفته تجعل الإنسان في مأمن وثقة انظروا إلى قوم موسى حينما أدركهم فرعون فالبحر أمامهم والعدو من خلفهم قالوا إنا لمدركون وقولهم هذا بمقاييس الدنيا إنه لقول صادق ولكن انظروا إلى قول من عرف الله قال {كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} لأن موسى عليه السلام عرف قوة الله ومن كان الله معه فلا يضره من كان عليه.. وكذلك مريم ابنة عمران التي باتت في محراب الإيمان تتعبد الله فكان رزقها يأتيها بكرة وعشية.. وكذلك الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام عندما كنوا يتخطفون في الأرض فآواهم الله بنصره هذه ثمار كلمة الله. إنه إذا دق ناقوس الحرب بين البشر وإذا ارتفعت الوفرة بينهم وحلّت الآفات والأمراض وتمزّقت الأواصر الاجتماعية فإن هذا بسبب البعد عن كلمة الله.. إنه ما من حصاد حضاري مادي أو معنوي إلا وهو من مخرجات كلمة الله، إن كلمة الله هي الجسر الذي نعبر عبره هوة كل نشاز في هذه الدنيا. إذاً إذا ما كانت الوفرة سائحة بيننا والسِّلم شعارنا فاعلم أيها القارئ الكريم أنه هناك علاقة وطيدة بين السماء والأرض، إذاً كلمة الله نعمر بها الأرض ونرجو بها السماء.. إن البشرية قد تُمارس كلمة الله كشعائر ظاهرة مفرغة من مضامينها التي شرعت من أجلها، وإذا كانت كلمة الله تمارس على هذا النحو فلا فائدة مرجوة منها. إن البشرية حينما تعرف الأوامر في كلمة الله وتنسى معرفة الله فلا حصاد مرجو من هكذا فعل.. إن الواجب على البشرية أن تتوق إلى إجلال الله وإلا لن تُبارح مكانها إلا إذا كانت كلمة الله في سويداء القلوب. إنه على مستوى الأفراد والشعوب متى ما رأيت أنه قد انفصلت هذه الأمة أو تلك عن رب السماء فاعلم أيها القارئ الكريم أنها في ظلام وضلال.. إنه يجب أن يكون الاتصال بالله اتصال طواعية لا اتصال إكراه.. إن السماء والأرض وهي أعظم من خلق الناس عندما ناداهما الله لمراده قالتا أتينا طائعين قال تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} (11) سورة فصلت. دمتم في رعاية القدير.