العيد بهجة نفس تواقة لبهاء الروح وجماله، تجد في الإطعام رزق السماء، وعطائها إزالة وحشتها منها بعدالة السماء حينما يستبد الظلم بين البشر.. وتجد هذه النفس في الإحسان حينما يعز الحب أنها تحب حب الحب، فتؤمن بقول الله تعالى (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان)؟... كم تهز هذه الآية قلب المحسن الذي أحسن إلى من أساء ويسيء إليه، إما بصدقة أو دعاء أو هجر جميل، فتسمو نفسه لا تتدنى إلى هاوية الانزلاق.. فهو في غنى عن ذلك، لأنه يجد كل يوم بديلا، يبسم له.. يقول له كلمة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء : دمت رمزا للفضل والوفاء.. أو مثل: الدنيا ترسم لك أجمل سعادة لم ولن يرى أحد مثلها.. أو كقول الشاعر : صلى على فسمائك العيد ... وتلقك للراح العناقيد واستمطرتك سحائب البشرى ... وشدتك للسعد الأغاريد وكقول الآخر : قل السؤال لكن الشك زايل ولا أنت قدرك شامخ بقلب مغليك في ذمتي قدرك ما هو بالرسايل قدرك بقلبي مثل ماني بمحانيك العيد باكر يا جميل الفعايل وحبيت أصدق من يهنيك ويتقبل الرحمن منك دعاويك ومثل قول الآخر : « كل عام وأنت أسمى وأرقى ... كل عام وأنت أشهى قصيدة ». والأمثلة كثيرة، ولكن هذه نماذج منها. فالقضية أن الشجن لا وجود له في هذه النفس المؤمنة بحديث النبي صلى الله عليه وسلم القائل فيه : «أوصاني جبريل بأن أعفو عمن ظلمني وأن أصل من قطعني وأن أعطي من حرمني» . ومن شأنه ذلك أحس بلذة العفو وترفع عن لذة الانتقام. إن طلاقة القدرة إما أن تكون إيجابية أو سلبية، فعناصر القدرة الإيجابية هي العمل الصالح وعناصر السلبية هي العمل الطالح، قال تعالى: (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره وممن يعمل مثقال ذرة شرا يره ) .. وقال سبحانه: ( ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما ) .. لقد ارتبط العمل الصالح بكل وضوح بالإيمان، وارتبط أيضا بالإحسان لأنه صنو تسليم الوجه والله أعلم في قوله سبحانه: (بلى من أسلم وجهه وهو محسن فله أجره عند ربه )، وقوله: ( ومن يسلم وجه لله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى). وتتدرج طلاقة القدرة الإيجابية لتبلغ الذروة في قوله عز وجل (فكذبوا عبدنا وقالوا مجنون وازدجر. فدعا ربه أني مغلوب فانتصر. ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر). إنها مشيئة الله لانتصار عبد متهم بالجنون.. دعا الله فنصره بماء منهمر من السماء، اخترق أي نفاذ صنعته أيدي البشر، ليقضي على التحدي المادي ويثبت أن أمر السماء بين الكاف والنون ( وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر) .. لقد أجاب الله عبده المظلوم ففتح أبواب السماء !!. فما مغزى تلك الإجابة لولا الإحسان الذي يحب الله أصحابه حيث قال سبحانه: (والله يحب المحسنين)، والإحسان صنو الشكر، ويحب الله أيضا الشاكرين، بل يجزيهم على شكرهم ثواب الآخرة حيث يقول سبحانه (وسنجزي الشاكرين).. وما توفيقي إلا بالله.