في الحلقة الماضية كان الحديث عن شوارد الأبيات والأمثلة الدارجة للراوي فهد الغسلان حيث تحدثت عن العمل المميز الذي قام به من خلال جمع ورصد وتوثيق تلك الأبيات الدارجة كأمثال، وفي هذه الحلقة سوف أتوقف عند بعض الأبيات التي وردت في الإصدار التي تم إدراجها، وهي ربما تكون خارج السياق، بحيث تم اختيارها بطريقة انتقائية، وذلك من خلال رؤية فنية وإعجاب من قبل الراوي، وهي تستحق ذلك ولكنها بطبيعة الحال لا تندرج ضمن منظومة الأبيات المتوارثة كأمثال، وإن كان في ذلك دلالة على ما يتمتع به الراوي من ثقافة شعبية وقدرة على الإضافة والمحاكاة والاستنباط. فلو أخذنا مثلا بيت محمد الأحمد السديري الذي أورده الراوي الذي يقول: كم واحد له هرجه ما هرجها يكنها لو هو للادنين محتاج فمن المؤكد أن البيت جميل ومن قصيدة رائعة لشاعر مميز، ولكن على المستوى العام لا يمكن الاعتداد به كمثل دارج لأنه في الأصل ليس كذلك الأمر الآخر أن انتزاعه وفصله عن السياق العام للقصيدة يجعله مبتورا ولا بد على الأقل من ربطه بالبيت الذي يليه لكي تتضح الصورة ويكتمل المعنى الذي يقول: يخاف من عوجا طوال عوجها هرجت قفا يركض بها كل هراج وتأتي الإضافة والتفصيل بالبيت الثالث يقضب عليك المخطية من حججها حلو نباه وقلبه اسود من الصاج والقصيدة رائعة وتتضمن حكما وعبرا من شخصية نافذة لها حضور على المستوى السياسي والاجتماعي في حقبة زمنية فارطة ولكن البيت ليس دارجا كمثل يتردد مع عامة الناس مع أن القصيدة معروفة ويحفظها الكثير من متذوقي هذا الفن ومثله أورد بيتا لشاعر المحاورة الكبير رشيد الزلامي يقول: يضحك بك اللي عاجز عن دروبك لا فاعل فعلك ولا هو مجنبك والبيت ينطبق عليه ما ينطبق على بيت السديري فلا خلاف على جماله وشهرة قائله، ولكنه كمثل غير معروف ولا متداول مثل غيره من الأمثال الدارجة، كما أن قصيدة الزلامي مليئة بالحكم التي تنم عن تجربة ثرية. وكذلك أورد بيتا للشاعر والفارس تركي بن حميد الذي يقول: أخير منهن ركعتين بالاسحار لا طاب نوم اللي حياته خسارة فالبيت بصيغته المفردة لم يكن مثلا دارجا ولن يكون كذلك لأنه يظل مبهما لأن هناك تساؤلا يقول أخير من ماذا؟ لأن قوله (أخير منهن) تعني ما ورد ذكره في الأبيات التي تسبق البيت المذكور، وذلك في قوله في بداية القصيدة: يا ما حلا يا عبيد في وقت الاسحار طيّ الفراش وشبّ ضو المنارة مع دلةٍ تجذا على واهج النار ونجرٍ الى حرّك تزايد عبارة ليأتي الكلام المفيد في البيت الذي يليه الذي أورده الراوي كمثل: اخير منهن ركعتين بالاسحار لا طاب نوم اللي حياته خسارة هنا يكون للبيت رونق ووهج روحاني في حال ربطه مع ما سبقه من أبيات أما انتزاعه من القصيدة منفردا فالمعنى يصبح غامضا، أما كمثل دارج فلا أظنه كذلك، ويبدو أن هناك خلطا بين الأبيات الدارجة والمتداولة بين العامة كأمثال والأبيات التي تستحق أن تكون كذلك، عموما فالأبيات الدارجة كأمثال نجدها دائما تتردد بطريقة عفوية حتى مع من لا علاقة لهم بالشعر العامي، وهي تأتي عن طريق التناقل الشفهي فهي لا تزيد على بيت واحد وربما شطر فقط وهذا ما سنستعرضه في الحلقة المقبلة.