كان يمنعني من الاقتراب من ذلك الكتاب الوحيد الضخم المُعلق في صدر الدار ليكون فوق رأس كل زائر، عرفت من أمي أنه يحكي تاريخ عائلتنا العريقة، تعجبت!!! فلا يوجد من عائلتنا من هو غني أو صاحب سلطة، شغلت نفسي بالكتاب والسر بين صفحاته، أبي أريد أن أقرأ الكتاب؛ رد بنظرة حادة: ستقرؤه حين تكبر؛ سألت أخي الكبير لا يجيب سوى بنفس الكلام (حين تكبر) وفي عينيه ضحكة انتقام كبيرة، درست ؛كنت أنجح كل عام وقبل أن أعطي الشهادة لأبي أقف على الكنبة لأكون مواجهاً للكتاب، أضع في مقابله إثبات أني في طريقي إليه، مرت السنون، استغنيت عن الوقوف على الكنبة، واجهته وحدي: يتبقى القليل حتى يُسمح لي بقراءتك، تزداد ضحكة أخي، وأنفاس لاهثة تطاردني وأنا أحمل دليلي الأخير، وكانت مراسم تخرجي ... وقف الأب عن يميني وأخي عن يساري في مشهد نقل السلطة بين الأجيال وبدأت أتخيل الحكمة وشجرة عائلتي وميراثي، تلمست جلده الأسود الباهت، وحروفه الذهبية الكتاب ضخم، أمسكت الرباط يبدوا أنه من عمر أبي لم يُفتح ؛ أبقيته على حاله، ارتسمت ابتسامة على وجهي أعرفها جيداً... أعدت الكتاب دون أن أفتحه في انتظار ولدي القادم.