لقد ساعد تطوّر التجارة داخل الجزيرة على ازدهار الدرعية عاصمة الدولة. وقد زارها ابن بشر في عهد سعود وترك لنا وصفًا للمدينة حيث كتب يقول: «ولقد رأيت الدرعية بعد ذلك في زمن سعود.. وما فيه أهلها من الأموال وكثرة الرجال والسلاح المحلى بالذهب والفَّضة الذي لا يوجد مثله والخيل الجياد والنجايب العمانيات والملابس الفاخرة وغير ذلك من الرفاهيات ما يعجز عن عدِّه اللِّسان ويكل عن حصره الجنان والبنان. ولقد نظرت إلى موسمها يومًا في مكان مرتفع وهو في الموضع المعروف بالباطن بين منازلها الغربية التي فيها آل سعود المعروفة بالطريف ومنازلها الشرقية المعروفة بالبجيري التي فيها أبناء الشيخ. ورأيت موسم الرجال في جانب وموسم النساء في جانب وموسم اللَّحْم في جانب وما بين ذلك من الذهب والفضة والسلاح والإبل والأغنام والبيع والشراء والأخذ والعطاء وغير ذلك وهو مد البصر. ولا تسمع فيه إلا كدوي النحل من النجناج وقول بعت وشريت والدكاكين على جانبيه الشرقي والغربي، وفيها من الهدوم والسلاح والقماش، وكان قوة هذه البلد وعظم مبانيها وقوة أهلها وكثرة رجالها وأموالها لا يقدر الوصف صفتها، فلو ذهبت أعد رجالها وإقبالهم فيها وأدبارهم في كتائب الخيل والنجائب العمانيات وما يدخل على أهلها من أحمال الأموال من سائر الأجناس التي لهم مع المسافرين من أهلها ومن أهل الأقطار لم يسعه كتاب.. وكان الداخل في موسمها لا يفقد أحدًا من أهل الآفاق من اليمن وتهامة والحجاز وعمان والبحرين وبادية الشام ومصر وأناس من حاضرتهم إلى غير ذلك من أهل الآفاق ممن يطول عدهم هذا الداخل فيها وهذا خارج منها وهذا مستوطن فيها.. وكانت الدور لا تباع فيها إلا نادرًا وأثمانها سبعة آلاف ريال وخمسة آلاف والداني بألف ريال وأقل وأكثر وكل شيء بقدره على هذا التقدير.. كروة الدكان الواحد في الشهر خمسة وأربعون ريالاً وسائر الدكاكين الواحد بريال في اليوم وشيء بنصف ريال. وذكر لي أن القافلة من الهدم إذا أتت إليها بلغت كروة الدكان في اليوم الواحد أربعة أريل .. وأراد رجل منهم أن يوسع بيته ويعمره فاشترى نخيلات تحت هذا البيت يريد قطعها وتعمير موضعها كل نخلة بأربعين ريالاً وخمسين ريالاً.. وكان غلا الحطب فيها والخشب إلى حد الغاية حتَّى قيل إن حمل الحطب بلغ خمسة أريل وستة والذراع من الخشبة الغليظة بريال. لقد غدت الدرعية مركزًا تجاريًا كبيرًا للجزيرة العربيَّة، فعندها تلتقي الطرق التجاريَّة من أجزاء الجزيرة كافة. وقد أسفرت سلامة الطرق عن تعزّز الصلات الاقتصاديَّة والسياسيَّة الفكرية داخل الجزيرة حتَّى أصبحت الدرعية محطة للتجارة والقوافل لكافة أنحاء الجزيرة وخارجها..