عندما صدرت القرارات الملكية الكريمة التي هدفت لحل مشكلة الإسكان قبل ثلاثة أعوام كان من بينها تغيير مرجعية صندوق التنمية العقاري من وزارة المالية إلى وزارة الإسكان المستحدثة في حينها، وذلك بقصد تيسير الحلول التمويلية؛ كون وزارة الإسكان أكثر فهماً وتعايشاً للمشكلة، واتضح ذلك من خلال المرونة التي بدأ الصندوق يتبعها بإيجاد العديد من الخيارات التمويلية للمستفيدين بدلاً مما كان متبعاً سابقاً ولسنوات طويلة؛ إذ لم يكن الصندوق يمول سوى من يرغب بالبناء فقط، أما الآن فهو يمول الشراء للعقارات بمختلف أنواعها، إضافة لمنتجات إضافية عديدة كمساهمة بتوفير السكن للمواطنين من خلال إتاحة خيارات عديدة أمامهم للاستفادة من القرض المعتمد لهم. وإذا كان الصندوق العقاري في طريقه ليتحول إلى بنك للإسكان حسب الخطة الاستراتيجية لوزارة الإسكان المنتظر اعتمادها؛ ليكون أكثر تأثيراً بالتمويل العقاري السكني، إلا أن الحالة في صندوق التنمية الصناعية تختلف؛ فما زالت مساهمته محدودة بدعم التمويل للقطاع الصناعي؛ إذ بلغ مجموع قروضه منذ تأسيسه عام 1974م، أي قبل أربعين عاماً، نحو 113 مليار ريال، أي بمتوسط 2.9 مليار ريال سنوياً، تمثل مجموعها ما يقارب 10 في المئة من حجم الاستثمارات الصناعية بالمملكة التي تقارب تريليون ريال، بعدد مصانع لا يتعدى 6500 مصنع تقريباً. ومن المهم بداية أن نذكر أن الصندوق لا يمكنه تمويل الجزء الأعظم من احتياج قطاع الصناعة، إلا أنه مع ضعف قدرة تمويل البنوك التجارية المحلية للقطاع بحكم التزاماتها العديدة؛ كون التمويل الصناعي طويل الأجل، وكذلك انحسار دور صندوق الاستثمارات العامة بتمويل الشركات التي يستثمر بها فقط، فإن دور الصندوق بهذه الحالة يصبح محورياً بتمويل الصناعة الوطنية، إلا أنه برأس مال يبلغ 40 مليار ريال حالياً لن يتمكن من رفع حصته ومساهمته بدعم النهضة الصناعية المستهدفة بحسب الخطة الاستراتيجية للصناعة المعتمدة التي تهدف إلى أن يكون حجم القطاع بالناتج المحلي 20 في المئة بعد نحو ستة أعوام؛ ما قد يضعف من إمكانية تحقيق نهضة صناعية في الوقت والنسبة المعتمدَيْن بالخطة الاستراتيجية للصناعة، التي تتطلب استثمارات ضخمة جداً، تناهز تريليون ريال خلال العشرين سنة القادمة على أقل تقدير. وحتى يتمكن الصندوق من رفع نسبة مساهمته بتمويل الصناعة لا بد من تغيير جذري بآليات عمله. ومن بين أهم تلك الخطوات أن يكون تابعاً لوزارة التجارة والصناعة؛ كي يصبح جزءاً من منظومة الحلول العملية لرفع مستوى إنتاجية القطاع ونموه وتوسعاته؛ لأنه سيصبح أكثر انخراطاً بمشاكل القطاع التمويلية والتنظيمية؛ ما سيساعده على المرونة أكثر في التعامل مع طلبات التمويل المقدمة له. فقبل أيام نُقل عن معالي وزير التجارة والصناعة أنهم يتناقشون مع الصندوق لتذليل العقبات التمويلية للصناعيين؛ ما يعني أن الضرورة تحتم تغيير مرجعية الصندوق؛ لكي يكون طرفاً داخلياً في هيكل الوزارة؛ كي يتسنى تفعيل دوره أكثر مما هو حالياً، على أن يتحول إلى «بنك للتمويل الصناعي»؛ ليستقطب الكفاءات، ويحافظ على الموجود منهم حالياً من خلال سلم رواتب مناسب ومزايا محفزة لموظفيه نظير جهودهم ودور الصندوق المهم بالارتقاء بالصناعة الوطنية. الصندوق الصناعي لعب دوراً مهماً إلى الآن بتمويل المشاريع الصناعية، إلا أن الظروف الاقتصادية تغيّرت، وباتت الحاجة لتوسيع الطاقة الاستيعابية بالاقتصاد المحلي كبيرة جداً نظراً إلى أثرها على تقليل حجم الواردات، ورفع حجم الصادرات، وتلبية احتياجات السوق المحلية، وزيادة عدد المشاريع الصناعية إلى أضعاف ما هو عليه حالياً لدعم كل ما سبق ذكره من آثار إيجابية لنمو القطاع الصناعي، مع تحقيق هدف رئيسي آخر، هو توفير فرص عمل جيدة للمواطنين، وتخفيض نسب البطالة الحالية والمستقبلية باستيعاب الوافدين الجدد لسوق العمل، فعدد المواطنين العاملين بالصناعة حالياً يقارب 140 ألفاً، يمثلون 11 في المئة من مجمل السعوديين العاملين في الصناعة، وأقل من 2 في المئة من إجمالي العمالة الوطنية والوافدة بالقطاع الخاص.