أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز - رحمه الله - قراره التاريخي في شهر شعبان 1412ه، الخاص بإصدار نظام هيئة البيعة، إلى جانب أنظمة مجلس الشورى والمناطق ومجلس الوزراء، تكريساً لاستقرار الدولة، وتأكيداً لوحدتها الوطنية، وإثباتاً لقوتها السياسية، ومتانة نسيجها الاجتماعي، وفي عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - حفظه الله - صدر قرار هيئة البيعة، الذي جاء تتويجاً للنظام الأساسي للحكم، وإطار مُحكم ينظم عملية انتقال السلطة الملكية. واليوم يُصدر خادم الحرمين الشريفين أمره الكريم بتعيين صاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبد العزيز ولياً لولي العهد بموافقة تجاوزت ثلثي أعضاء هيئة البيعة، داعياً شعبه الأصيل إلى مبايعته وفق ما تقتضيه الشريعة الإسلامية في مثل هذه المسائل المهمة. فالبيعة ركيزة أساسية في استقرار الدولة، وتوثيق نظامها السياسي، وعقد عام وعهد تام بين الراعي والرعية، ولعل مفهومها يبرهن على أهميتها وعظمة دورها في بناء وحماية الدولة، فالبيعة هي (المبايعة على الطاعة)، الطاعة من قبل رعية المسلمين لراعيهم من أجل سياسة شؤون الدين والدنيا بمقتضى شرع الله، بل وتتجلى أهمية هذه القيمة العظيمة، ويتضح دور هذا العهد المتين بالنسبة لأمننا الداخلي، ووحدتنا الوطنية، واستقرارنا السياسي في الملمات والخطوب، التي تموج من حولنا في أرجاء الأمة أو منطقة الشرق الأوسط. والمتمعن في واقعنا العربي منذ أكثر من عدة عقود شهدت حروباً إقليمية وثورات شعبية وانقلابات عسكرية، يلحظ رسوخ دولتنا، وشموخ مملكتنا - ولله الحمد - وسط كل تلك الاضطرابات والحروب والنزاعات، ما يؤكد القيمة الفعلية للبيعة، ودورها المحوري في استقرار الدولة، ووحدة الوطن والأمة كصمام أمان بأمر الله، كونها تشكّل الرباط الوثيق بين رأس الهرم وعماد الدولة وقاعدتها الشعبية، لأن البيعة في المحصلة النهائية ترتبط بشكل رئيس في دين الشخص المبايع، وتضع أمانته أمام الله والناس. فهي ميثاق غليظ وعهد متين، يمتد إلى ما بعد الموت، يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - في حديث مسلم: (من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية). لهذا تبحر سفينتنا - بحمد الله - بين أمواج الفتن والاضطرابات، وهي متماسكة، صلبة، شامخة، ترتفع راية التوحيد خفاقة أعلى ساريتها، ماضية نحو أهدافها الوطنية، ودورها الإيجابي في المشاركة الفاعلة للحضارة الإنسانية. كما أن البيعة هي البوتقة التي يجتمع فيها الولاء للدين بالانتماء للوطن، خاصةً أن بلادنا العزيزة المملكة العربية السعودية، هي قبلة العالم الإسلامي، وبلاد الحرمين، ومهوى أفئدة المسلمين.