على قدر ما آلمنا في هذه البلاد الخيرة فقدان سلطان الخير - رحمه الله - على قدر مباركة القائمين فيها على تأييد اختيار هيئة البيعة الحاكمة للأمير نايف بن عبد العزيز ليكون ولياً للعهد وساعداً أيمن لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز في إدارة شؤون الدولة ومواصلة مسيرة النهضة التنموية في المملكة في مختلف المجالات. وترجمت بيعة الأمير نايف من أصحاب السمو أفراد العائلة الكريمة وأصحاب الفضيلة المشايخ والمعالي وجميع المواطنين كبارهم وصغارهم تحقيق مفهوم البيعة في الاسلام التي تعتبر من أهم معالمه الحضارية. والبيعة في اللغة مصدرٌ يُفيد معنى المبايعة، يُقال بايع فلان مبايعة، وهذه المبايعة تعطي معنى المعاقدة والمعاهدة، وهي مشابهة بالبيع الحقيقي، وكأن كل واحد قد باع ما عنده للآخر، وتعاهدا وتعاقدا على أن يؤدي كل من الطرفين للآخر ما عنده، فالأمير نايف (حفظه الله) يعاقد ويعاهد الأمة على أن يحكم بالحق والعدل، وأن يرعى أحكام الشريعة ويصون مبادئ الدين، وأن يوفر للمواطن كل ما أقرته مبادئ الشريعة من حقوق، ويقوم المواطن نيابةً عن ذاته بالتعبير عن طاعته له، ويتعهد بنصرته في كل ما من شأنه أن يحمي مصالح الأمة ويدافع عن حقوقها وكرامتها. والبيعة وردت أكثر من مرة في القرآن الكريم، مثل قوله تعالى في سورة التوبة (فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ)، وفي سورة الفتح قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ الله). ووردت صيغة البيعة في الأحاديث النبوية بأكثر من صيغة وفي سياقات متعددة، (فمن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية)، أي أنه يجب على المسلم أن يجعل له إماماً، ولا يحل لأحد أبداً أن يبقى بلا إمام، لأنه إذا بقي بلا إمام بقي من غير ولي أمر، والله عزَّ وجلّ يقول (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ). . والفرد الذي مات وليس في عنقه بيعة خارجٌ عن سبيل المؤمنين، لأن المؤمنين لا بد أن يكون لهم أمير مهما كانت الحال، فإذا خالَفَ هذا وشذَّ صار خارجاً عن سبيل المؤمنين. أن البيعة نوع من التناغم بين الحاكم والمحكوم، والعلاقة بينهما تخضع إلى معايير المشاركة المدنية، والبيعة أحد أنواع تلك المشاركة، وإن جاءت بطابع ديني حيث مفهومها ينحدر من طيات الدين الاسلامي الحنيف. ويفضل في البيعة لزوم الصيغة الشرعية وهيئتها، بأن يمد الرجل المبايع يده اليمنى إلى الإمام ويقول له: بايعتك أو أبايعك على السمع والطاعة، أو يقول: «أقر لك بالسمع والطاعة على كتاب الله وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم». أخذت البيعة في الدولة السعودية قانونها الخاص من علاقة الحاكم بالمواطنين، وأحد الثوابت التي تأسست عليها البلاد منذ توحيدها، فبعد مبايعة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله (وفقه الله وسدد خطاه) أصدر نظام البيعة الحديث وما تضمنه من معانٍ سامية تعزز مفهوم البيعة الشرعية المرتبطة بالنظام السياسي للمملكة، وباعث للشعور بالاستقرار السياسي الذي يتطلع إليه كل مواطن سعودي. ومفهوم النظام بأن يحيل الحكم إلى من تراه الأسرة المالكة الأحق في استلام مقاليده ، وهي رؤية متطورة في مفهوم البيعة ، وتطبيق هذا النظام يحقق مصالح عليا مهمة للوطن وللحكم حتى لا يكون هناك أي خلاف قد يترتب عليه تعطل المصالح أو بلبلة قد يستغلها بعض الأعداء والمتربصين للإخلال بالأمن والاستقرار التي يعيش فيها هذا الوطن الغالي. إن المزيد من الإصلاح الذي ينتهجه ولي الأمر الملك عبدالله، يعني المزيد من عملياته التي لا تتوقف عند وضع معين بل إنها تنحو إلى التوسع أكثر في المشاركة الوطنية. د.م/ ياسر عبدالعزيز حادي- ينبع الصناعية