طالب خبير نفطي، بإنشاء شركة وطنية مستقلة عن «أرامكو السعودية» تكون معنية بإدارة وتسويق الطاقة محلياً، وتهدف إلى تنظيم ومراقبة وترشيد الدعم الحكومي للطاقة، وذلك في ظل تنامي الاستهلاك المحلي للطاقة بشكل خطير. وأوضح رئيس مركز السياسات النفطية والتوقعات الإستراتيجية، الدكتور راشد أبانمي ل«الجزيرة» أنه سعياً للاستخدام الأمثل للطاقة وليس الاستخدام الأسهل كما هو الحال في وقتنا الحاضر، فإن من الأهمية أن نستعين بآلية السوق وفقاً لما تمليه قوى العرض والطلب، وأن نعلم يقيناً أن أي تدخل إذا كان حتمياً في تلك الآلية كدعم لأسعار الطاقة التي تهدف إلى رفع المعاناة عن بعض شرائح المجتمع، فإن ذلك يجب أن يكون تدخلاً مدروساً وموجهاً وبحذر شديد، وأن يكون بمعرفة دقيقة لما يقدم من دعم وأن لا يتجاوز ذلك الدعم لمن يستغله ويسيء استخدامه ويتاجر به، وأن يتم حصر ذلك الدعم وتدقيقه ومراجعته وتمحيصه بين الفينة والأخرى، وذلك للتأكد من أنه الوسيلة الفعالة لأداء الغرض الذي وضع من أجله، وأنه لم يستغل للكسب غير المشروع، بل إنه يذهب للمستهدف من شرائح المجتمع والقطاعات المختلفة التي في حاجة إلى الدعم للنهوض بهم، ولدعم التنمية والتطور، ولكن من دون تضحية لمقدرات الشعب وأجياله القادمة، وكيف نتمكن من تجاوز الأزمة الوشيكة التي سيكون لها أثر كبير على الوضع الاقتصادي للمملكة محلياً ومكانة المملكة العالمية ودورها الإيجابي في تهدئة الأسواق العالمية واستقرار الاقتصاد العالمي، دون أن يتضرر المواطن الذي يُعتبر من أهم أولويات خادم الحرمين الشريفين في الرعاية والعيش الرغيد. وقال الدكتور أبانمي: «لتحقيق ذلك وتفعيل آلية السوق، فإن ذلك يتم من خلال إقامة شركة حكومية مستقلة تماما عن شركة أرامكو السعودية، وتكون هي الشركة المعنية بشراء البترول ومشتقاته (وليكن ذلك دفترياً) من شركة أرامكو بالسعر السائد عالمياً، أي أن تكون أسعار أرامكو لهذه الشركة تعكس فعلياً الأسعار السائدة في الأسواق العالمية، ووفقاً لمعادلة التسعير الشهري التي تتبع الأسعار العالمية، أي أنه يتم رفعها وتخفيضها إلى نسب أسعار التغيير العالمية التي تطرأ عليها، وتكون هذه الشركة بمثابة Clearing House لكي تقوم هذه الشركة بالإشراف على تسويق وتوزيع تلك المحروقات محلياً على الشرائح والقطاعات، وذلك وفقاً للتسعيرة التي تحددها الحكومة، وأن تقوم على استقطاب خبراء ومختصين من كل القطاعات ليكونوا منصفين في تقييم أداء القطاعات والمشاريع.وأضاف: «الأهداف المرجوة من إنشاء هذه الشركة الحكومية المستقلة والمختصة بالتسويق المحلي، يتمثّل أهمها في تحقيق أمور مهمة جداً للمجتمع ولصناع القرار، كما يأتي في مقدمتها حصر وتقييم ومراقبة كامل ما تقدمه الحكومة من دعم للطاقة محلياً، وهو الفارق بين مشتريات الشركة الحكومية المستقلة للتسويق المحلي وبين ما تبيعه وتسوقه محلياً بالسعر المخفض أو المدعوم (أي العجز)، وبمعنى آخر إذا كان مجمل ما تشتريه الشركة الحكومية المستقلة للتسويق المحلي من شركة أرامكو دفترياً من نفط خام وغاز ومحروقات هو أربعة ملايين برميل مكافئ (وهذه الكمية هي ما تستهلكه المملكة محلياً) أي أنه بالسعر العالمي السائد (4 ملايين برميل يومياً بسعر 110 دولارات)، أي 410 ملايين دولار، وهو الآن يباع بالسعر المحلي بين 6 و10 دولارات للبرميل، أي بمبلغ لا يتجاوز في أحسن تقدير أربعين مليون دولار يومياً، فإن (عجز) هذه الشركة المسوقة محلياً هو الفرق الهائل الذي يبلغ نحو 370 مليون دولار يومياً، وهو الفارق بين شرائها للنفط بالسعر العالمي وبيعها لذلك محلياً بالسعر المدعوم، وبهذا يمكن بدء محاصرة المشكلة وتحديدها بشكل دقيق لقيمة تكلفة الدعم الحكومي للمحروقات واللقيم المحلي، ومن هنا ننطلق إلى الأمر الثاني وهو إخضاع هذه الشركة لتحقيق أهداف أساسية ومرحلية، أي محددة بفترات زمنية ولتكن خلال خمسة أعوام من تأسيسها فإن (العجز) يجب أن ينخفض إلى معدل النصف أي أنه بعد خمسة أعوام وتحديداً في عام 2019م يكون العجز المستهدف لا يتجاوز 180مليون دولار يومياً، وأن ما يتم توفيره في خلال هذه السنوات الخمس يكون موجهاً إلى دعم الأعمال والاستثمار في الشركة المقترحة الجديدة الأخرى والمختصة بجمع ومعالجة الغاز المصاحب والاستفادة منه بدل هدره وإحراقه وجمعه والتي تم اقتراحها وتغطيتها في التقرير السابق.وبيَّن أبانمي، أن هذه الشركة الحكومية المقترحة للتسويق المحلي معنية أولاً وأخيراً بإعادة تأهيل قطاعات المنافع العامة من توليد الكهرباء والماء وبقية المصانع البتروكيماوية والإسمنتية، ووضع برامج وآليات تستهدف الحد من سوء إنتاج واستهلاك الطاقة محلياً في صوره المتعددة، والتي تشمل الحد من كمية استهلاك الطاقة في المواصلات ومصانع الحديد والأسمنت والبتروكيماويات، بالإضافة إلى التحفيز ونشر ثقافة الترشيد والمكافآت التشجيعية، كذلك لا بد أن يكون لهذه الشركة جهاز رقابي فعّال، يراقب تفعيل الإجراءات المتعلقة بالنفط ومشتقاته التي تتخذها الحكومة على نفسها وشركات المنافع الأخرى المدعومة منذ عقود من الزمن لغرض تحسين كفاءة الطاقة، وذلك من خلال البدء التدريجي بتقليص الدعم الحكومي للوقود عن الشركات كشركة الكهرباء ومؤسسة تحلية المياه، وتشجيعهم على إحلال الغاز بدلاً من النفط الخام في توليد الكهرباء وتحلية المياه، وكذلك تقليص الدعم الحكومي عن اللقيم «الغاز» للشركات البتروكيماوية التي تستهلك كل ما تنتجه المملكة من الغاز والذي يبلغ حوالي مليونين ونصف المليون برميل مكافئ من البترول في اليوم، فليس من العدل أن تأخذ شركة محلية (اللقيم) بالسعر المدعوم، وتبيع إنتاجها داخلياً بالسعر العالمي، حيث إنه إذا كان الدعم وتقديم الغاز بسعر خاص وثابت، ربما يكون مقبولاً في المراحل الأولى لصناعة البتروكيماويات حتى ينهض القطاع الصناعي، ويستطيع الاعتماد على نفسه، إلا أن سياسات الدعم يجب أن لا تستمر وأن تكون مرتبطة بمدد محددة كي تتحقق التنافسية العالمية اعتماداً على قدرات القطاع الصناعي الداخلية وليس على الدعم الحكومي، ففي الوقت الذي تدعم فيه صناعة الغاز الطبيعي عدداً من القطاعات الأساسية مثل البتروكيماويات ورفع طاقتها، فإن الصناعات المدعومة بسعر الغاز المتدني تبيع منتجاتها محلياً بالأسعار العالمية، ونرى ذلك جلياً في أرباح شركات الإسمنت التي تتجاوز 50 بالمئة من الأرباح سنوياً، ويبقى الوطن والمواطن هو المتضرر الوحيد. ولفت أبانمي إلى أن يكون معيار نجاح هذه الشركة المقترحة من عدمه هو تخفيضها لعجزها بعد عام 2019م بمقدار 8 بالمئة سنوياً، وليكن لدى هذه الشركة المقترحة ومن خلال نظامها الأساسي حق تطبيق رسوم المخالفات على من تراه من المخالفين للإرشادات أو التعاليم أو الدراسات الاسترشادية، وتكون هذه الرسوم مضافة على التسعيرة المدعومة لذلك القطاع، ويتم تحصيلها لصالح تلك الشركة المقترحة، وكل قطاع له مظلمة على فرض تلك الرسوم الإضافية عليه من الشركة الحكومية المستقلة للتسويق المحلي يتقدم بطلب لدى المركز السعودي لكفاءة الطاقة والذي سيعاد تشكيله ليكون هيئة قضائية متخصصة لحل النزاعات القائمة، سواء الفنية أو المالية بين الشركة الحكومية المستقلة للتسويق المحلي والقطاعات الأخرى المتظلمة من فرض تلك الرسوم. وقال: «يقترح تكوين عدة هيئات في هذه الشركة، وتكون معنية بالقطاعات ذات الاستهلاك العالي، مثل هيئة مراقبة وترشيد استهلاك الطاقة لقطاع الكهرباء مثلاً، وهيئة أخرى لمراقبة وترشيد استهلاك الطاقة لقطاع تحلية المياه، وهيئة أخرى لمراقبة وترشيد استهلاك الغاز كلقيم للمصانع البتروكيماوية ومراجعة الدعم المتواصل ورفع أسعاره بما يتناسب مع الأسعار العالمية، فعملية الدعم المتواصل للغاز كلقيم للمصانع البتروكيماوية يحد من كفايته نظراً لسعره المتدني محلياً ليس فقط بمقارنة أسعاره مع الأسعار العالمية بل حتى بتكلفة جمعه ومعالجته، فنتيجة للاستهلاك المفرط بسبب تدني سعره محلياً، فإنها تجعله حتى غير كاف للحاجة الفعلية المستهدف من أجلها، مما يؤكد على ضرورة أن يبنى المخطط الإستراتيجي على الواقع الفعلي، وليس على ما هو متوقع، وذلك للإبقاء على احتياطات كافية من الغاز مستقبلاً، إضافة إلى ذلك إيجاد هيئة أخرى تحت مظلة هذه الشركة لمراقبة وترشيد استهلاك الطاقة لقطاع النقل وتطويره وتكون هي المعنية بقطاع مباشر لشرائح المجتمع، وأن تكون هذه الهيئة معنية بالحث على تطوير أنظمة المواصلات العمومية وتنظيمها لجعلها أقل تكلفة وزيادة الطرقات المخصصة للنقل العام، والذي سيوفر بدائل ملائمة تجعل الناس أمام خيار التخلي عن سياراتهم الخاصة، التي ستكون أكثر كلفة من تلك البدائل التي تتوافر في أنظمة النقل العام وخدماته مع دراسة أهمية صرف بدل للمحروقات كي لا يتأثر المواطنون من تقليص الدعم الجزئي عن الوقود إذا ما تم إقراره ولو مرحلياً، حيث يُعتبر أقل المستفيدين من دعم أسعار النفط محلياً، كذلك يكون لهذه الشركة المقترحة ذراع استثمارية تختص بتوقير الطاقة، كالاستثمار في عمليات تطوير الغاز وجمعه ومعالجته وتشغيل خطوط الغاز، ليساهم في التقليص من استهلاك النفط الخام في المملكة، وفي توفير النفط المهدور الذي يستخدم حالياً في إنتاج الكهرباء وتحلية المياه والبدائل الأخرى للطاقة.»