في راوية (حكايات نزل على الطريق) أطلق الأديب لونغ فلو حكمة جميلة جاء فيها: وفي نهاية الأمر فإن أفضل ما يفعله المرء.. عندما تمطر السماء... هو أن تدعها تمطر! وقد أعجبت بتلك الحكمة زمناً حتى قرأت حكمة أخرى أكثر جمالاً وأشد إيجابية تقول: الحياة ليست انتظار حضور الشمس؛ ولكنها تعلم الرقص تحت المطر! في هذا الكون العظيم وفي خضم أمواج الحياة العاتية لا خيار لك عندما يحدث ما لا تستطيع تغييره إلا التقبل والتسليم، ومعه سيهبك الله عوناً تتسامى معه فوق الحواجز وقوة تجعلك أكثر صلابة تواجه بها المآسي التي قد تطحنك وتحطمك! وامتلاك السعادة لا يكون بتجنب اللسعات ولا الابتعاد عن اللدغات ولكن بكيفية التعامل معها.. جزماً ستلاقي نصيبك من المنغصات ويجب أن تتقبل كونها واقعاً لازماً؛ لذا يا عظيم ابتسم في وجه تلك التحديات كما تبتسم في وجه زائر لا تحبه! ومن تلك المنغصات ما لا حيلة لنا في تغييره، لذا من الحكمة البالغة والنضج الجميل أن تضع من بنود خياراتك خيار (الرقص تحت المطر) وذلك بالصبر وعدم الانزعاج وتلمس الزوايا المشرقة في هذا الظلام الدامس! لا تختزل سعادتك على ما ينقصك ولا تعلقها على ما لا تملك... ارقص تحت المطر وابتسم واستمتع واشعر بالامتنان لما تملك! تلمس الجمال في كل شيء، تأمل في كل ما يغمرك من نعم.. لا تنظر إليها كمسلمات وأمور لازمة الحدوث! هل تعي أهمية الشمس التي تعانقك أشعتها كل يوم؟ هل تدرك قدر الليل والسكينة التي تعم الكون عندما يبسط الليل أجنحته عليه؟ ... اشبع روحك بالامتنان وارقص تحت المطر، فهناك جمال خلاق مختبئ داخل تفاصيل حياتك اليومية.. افتح عينيك لها ركز عليها فما أروع الاستمتاع الكبير بالأشياء الصغيرة! عندما تداهمك مصيبة وتناوشك أزمة فارقص تحت المطر وأنت متسلح بمبدأ (ما أملك أكثر مما فقدت) فقط تخيل لو كانت الأمور أصعب! هل تأملت في الأشياء التي ممكن أن تجعل المشهد أكثر صعوبة وأعظم ألماً ولكن الله أنجاك منها! ارقص تحت المطر ولا تمد العين للآخرين ولا تقارن أسوء ما تملك بأفضل ما يملك غيرك! جزماً ستتسبب لك الحياة بشيء من الوجع فلا تبك ولا تتوقف ولا تسبح في بحر الدموع؛ فالعظمة الحقيقية هي أن ترقص تحت المطر وتصنع لحظات الاستمتاع بنفسك، وأن تبتسم عندما تسوء الأمور؛ فهناك ألف سبب وسبب يجعلك تستمتع أعظمها تلك الصحة التي تتقلب في عرضها وتمرح في سعتها وتستنشق عبيرها! ارقص تحت المطر فلا شيء يستحق! عالم الفيزياء العظيم (ستيفن هوكنج) أصيب بالشلل الرباعي ومع هذا رقص تحت المطر وأبدع، ومثله (كريستوفر ريف) مؤدي شخصية (سوبرمان) الذي تغلب على إصابته الخطيرة في العمود الفقري التي أعاقته عن الحركة ومع هذا رقص تحت المطر! البعض يأتي لهذا الدنيا ويذهب كما أتى لا رجع ولا أثر، والبعض يرحل ويبقى ذكره مخلداً.. وأحسب أن من أهم قوانينهم الفكرية هي من خلدهم ومن أعظم تلك القوانين هو قانون (قوة الامتنان) حيث امتنانهم بشأن أمور يراه البسطاء من الناس من المسلمات! يقول الفيلسوف الروماني ماركوس توليوس: الامتنان ليس فضيلة فحسب بل هو أبو الفضائل! تأمل في كم الأمور الجيدة التي في حياتك وساعدتك على قراءة هذا المقال! لم يكن هدفي من كتابة هذا المقال أن أجعل منك شخصاً غير واقعي، ولكن همي كان يتركز على إيقاظ حسك على فضيلة الامتنان وتذكيرك بأنه مهارة السعداء وبضاعة الأصحاء، وإيماني كبير بمبدأ ما تحسن تقديره؛ يزد قدره! ما أعظمك شاكراً وما أروع وأجملك ممتناً لمن خلقك ورزقك، ولكل لمن له حق عليك بمعروف أو نصيحة، ممتن لأسرتك لخادمك لسيارتك لمنزلك للشمس المشرقة والهواء العليل. وتذكر أن فضيلة الامتنان تتجلى عندما تكون الأمور على غير ما يرام وليست عند الحال الجيد! سأقدم لك في مقالي القادم أدوات تجعل منك راقصاً محترفاً تحت المطر فكن معي! ومضة قلم من يرى العالم وهو في الخمسين مثلما كان يراه في العشرين فقد أضاع ثلاثين سنة من عمره!