تلقت جماعة الإخوان المسلمين على مدى تاريخها الطويل منذ السنوات الأولى لتأسيسها ضربات قوية كادت تكون قاتلة؛ ولكنها كانت تلجأ إلى الكمون والعمل السري ثم العودة من جديد بأساليب وأشكال مختلفة وتحت لافتات جديدة أيضا لم تعرف من قبل، والأمثلة على تلك التحولات وتغيير المسوح والعناوين ومسميات الأحزاب عديدة؛ مثلما حدث في مصر وتركيا على الأخص وقت أن تعرضت الجماعة لمحاصرة سياسية وأمنية؛ فعادت في مصر إلى الساحة السياسية ليس باسم الجماعة؛ بل تحت لافتة جديدة هي «حزب الحرية والعدالة» وكذلك الشأن نفسه في تركيا؛ فقد حل النظام العسكري العلماني حزب «الرفاه الإسلامي» الذي كان يقوده الدكتور نجم الدين أربكان، وأغلق مقر الحزب وصودرت ممتلكاته، وسجن مؤسسه أربكان، ثم بعد أن خرج أنشأ حزب «الفضيلة» ثم حزب السعادة، ولكنهما حوصرا من قبل التيارات العلمانية والعسكر؛ فأنشأ الجيل الجديد الذي تخرج في المدارس والمعاهد الدينية وتشبع بأفكار حزب الرفاه؛ ممثلا في عبد الله غول ورجب طيب أردوغان حزب «العدالة والتنمية» متجاوزا أسلوب المواجهة المباشر للسلطات العلمانية العسكرية الذي كان يمثله حزب الرفاه، ومنطلقا من أسسه وتوجهاته الفكرية الإخوانية؛ فحقق بعد صعوبات جمة فوزا ساحقا في الانتخابات البلدية عام 1998م أوصلته إلى أن يكون رئيسا لبلدية إستانبول، ثم فوزا ساحقا أيضا في الانتخابات التشريعية أوصلت غول إلى رئاسة الجمهوية وأردوغان إلى رئاسة مجلس الوزراء 2003م. لقد أعلن حزب العدالة والتنمية في تركيا إيمانه المؤكد بعلمانية الدولة ودفاعه عن إرث أتاتورك مؤسس تركيا العلمانية الحديثة في ميكافيلية واضحة لكسب رضا الأحزاب والتيارات والقوى العسكرية الأخرى، وقد سار الحزب وفق ما أعلنه؛ رغم إعلائه في خطابه السياسي ميوله الإسلامية وموقفه المناصر للقضية الفلسطينية؛ جامعا بين رغبته في إحياء الروح الدينية وفي الوقت نفسه ساعيا إلى الانضمام إلى المجموعة الأوربية ومقدما في سبيل ذلك تنازلات كبيرة على مستويات عدة؛ حياتية وثقافية وسياسية. وإذا كان هذا شأن حزب العدالة والتنمية في تركيا؛ فإن حركة «النهضة» في تونس بقيادة راشد الغنوشي تقدم تنازلات أعمق للإمساك بالسلطة؛ بحيث لا تمانع في الاشتراك مع تيارات ليبرالية ويسارية تحت مسمى «الترويكا» لإدارة الحكم في تونس، مقتدية بالنمط التركي، وداعية إلى أن يكون هو وما يماثله في ماليزيا أو في أندونيسيا نموذجا للتسامح وللجمع بين المفهومات الإسلامية والحداثة. ومع كل تلك التنازلات التي قدمتها الأحزاب والحركات المنتمية صراحة إلى جماعة الإخوان المسلمين حين يكون أحد مؤسسي الحركة عضوا في مجلس الإرشاد العالمي للجماعة؛ كما هو معروف عن راشد الغنوشي، أو حزب العدالة في تركيا كما هو معروف عن مرجعية الرئيس ورئيس الحكومة الإخوانية؛ فإن الرفض الشعبي بدأ يأخذ طريق العنف في تركياوتونس، وأصبح كرسي أردوغان يهتز الآن من أثر الحصار الإعلامي المضاد من الأحزاب المناوئة؛ عن طريق استخدام ما ادعته بأنها اصطادت اختلاسا من الأموال العامة، أو رفض الشارع كما تصوره المظاهرات الشعبية في شوارع استانبول، أما في تونس فقد خسرت النهضة كثيرا من رصيدها الجماهيري بفشلها في إدارة الحكم مع الترويكا وظهر ذلك في تذمر الشوارع التونسية الغاضبة! أما الجماعة الأم نفسها في مصر فقد تسربلت ببرقع التخفي ودخلت إلى الساحة السياسية باسم «الحرية والعدالة» متضامنة ببراجماتية مع تيارات سياسية علمانية للوصول إلى السلطة ورغم ذلك لم يقف تسامحها مانعا من تنامي وتصاعد رفض فكر الجماعة والثورة عليها في بلد المنشأ ثم في البلدان الأخرى التي تأخونت؛ كتركياوتونس! وبالتأمل في خارطة الجماعة السياسية وأوضاعها الصعبة التي تعيشها؛ سنرى أنها بدأت طريق الانحدار وربما الفشل النهائي الذي لن يعيدها إلى الساحة السياسية من جديد ! يتبع..