في زمن امتلأت فيه الساحة الغنائية بمدوني الكلمات التي تفتقد للمعنى والمضمون، شقّ (أسير الرياض) طريقه ملتقطاً الدهشة عبر نصوص أعادت التوازن لتركيبة المفردة المدوزنة على السلم الموسيقي، مفرداته مبللة بالعاطفة، لذا تلامس قلوبنا قبل أسماع المتلقي، حين النظر إلى بعض القصائد الغنائية التي كتبها نشعر للوهلة الأولى أنه فصلها على حنجرة فنان بعينه، بل يشعر المتلقي أن هذا الشاعر يبحث عن حجز مساحة خاصة به لم يسبقه إليها أحد، وهذه الملكة لا يستطيع الوصول إليها إلا شاعر يملك إحساساً موسيقياً عالياً، وقلة من يملكون هذه الميزة. ويقال بأن لحظة كتابة النص لفنان كبير صعبة، لا سيما إذا كان بحجم فنان العرب محمد عبده، لأن هذا الأمر يحتاج إلى شاعر يمتلك السهل الممتنع كي تتناغم الروح والإحساس والمفردة، وهذه الحالة تجسدت مع الشاعر (أسير الرياض) وشكل من خلال أغنية (كلها ذكرى) حالة امتزاج بين طرب فنان العرب وفخامة النص الذي يبدأ من خلاله فنان العرب بداية مترفة أشعل فيها ضوءاً عابراً بين الحنايا: صمتك أجبرني تعلمت الكلام والسهر علم عيوني للمنام ما بين الكلام والمنام صمت وسهر و(حبيبة) تختبئ في منتصف الطريق، هنا الشاعر راهن على إحساس المتلقي، ولم يبدأ بداية تقليدية بوصف بريق عينيها أو إحمرار وجنتيها بل أعطى إيحاء أنها صعبة المراس كأي مخملية: بين (قرار) و(جواب) يصدح: كلها ذكرى.. ذكرى وربك و الا ما عاد.. ما عاد أحبك هنا اللحظة الانفعالية نصعد فيها وننزل بطوعنا، هنا سفح نطل من أعلاه إلى كوبليه آخر: ما يعيش الحب والأحزان فيني كيف اخبي لوعتي وانسى سنيني لا.. لن تستطيع أن تخبئ اللوعة، لأن الحب والحزن والغيرة واللهفة تعيش في القلوب الطرية الندية، هنا الشاعر كان أكثر انتقائية وقال: «لوعتي» ولم يقل «دمعتي» على سبيل التعبير كون (اللوعة) انصهار داخلي طويل الأمد أما (الدمعة) فهي ظاهرة ولا تختبئ وإن حاولنا، أما في قصيدة (لا تكلمني) التي تغنت بها القيثارة نوال. في كل كوبليه كان يخيّل لنا أن نوال تلتقط الحمامات البيضاء المسالمة وترسلها إلى سماء الحبيب تحمل رسالة عتب لها لون الغيم. (لك يومين ما كلمتني).. اليومان بتوقيت القلوب العاشقة هما عامان أو عقدان حتى عندما تتغلى الحبيبة وهي تلتقط في كفها (جمرة) وتأتي عباراتها متهتكة نشعر بقشعريرة وننحاز إليها: صار لك يومين ما تسأل وكنك ما عرفت الشوق أو حبيتني هذا البيت يخبئ دمعة كبيرة وغصة لا يشعر بها إلا من اختنق باللحظة ذاتها، ما أقسى السؤال الذي تحترق فيه أطراف أكمامنا قبل إجاباتنا، على الرغم من التهم المتواترة هي تعلم أنه يوقت عقارب ساعته على نبضها: تدري إنك ساكن احساسي وإنك باللقى والوصل قد عودتني انت بالغيبة تحسسني كأنك ما تفكر بي ولا دورتني والشاعر أسير الرياض بات من الأسماء الشعرية المهمة والمثرية للساحة الغنائية بعد الركود الذي طغى على المشهد الغنائي في السنوات الأخيرة، حيث يحضر حالياً لأعمال من العيار الثقيل بالتعاون مع شركة روتانا للصوتيات والمرئيات، وستكون هذه التعاونات مع كثير من نجوم الأغنية العربية مثل محمد عبده وراغب علامة وأصالة وعبادي الجوهر وعبدالكريم عبدالقادر ونوال الكويتية ونانسي عجرم وهاني شاكر وماجد المهندس وراشد الماجد وأحلام وعبدالله الرويشد ونبيل شعيل وطلال سلامة والعديد من الأسماء اللامعة في المجال الغنائي.