ثمة كلمات تطوي بوهجها وصدقها مسافات الإبداع بل وتسكن بحنينها أعماق الإدهاش ؛ هنا نص فاضت به أقداح الأبجدية حدّ أن أغرق الأوراق بعبقٍ يُعيد للذاكرة أقلام كتبت لتُخلّد أحروفها في سماء الألق ولتخبرنا بأن البوح مازال على قيد خير ؛ من جديد تعود لشذرات الأنيقة أماني أحمد بمدادٍ ممزوج برائحة الأقحوان وتحلّق كطائر السنونو لتترك لنا متعة المشاهدة ولذّة القراءة. *** معبرٌ إلى الجنَّة، الصِّراطُ الذي لن يحتملَ كل زلاتنا. إلى الجحيم ربما، إلى مُشتقاتِ البنفسجِ التي استهلكناها، وعكفنا نلتقطُ لها الصُّور من شتّى الاتجاهات. إلى كلِّ، أيِّ شيء حدثَ في الأربعاءِ الوشيك، إلى العينينِ المُتأنبتين، وزلاَّت الكلام، واللَّغط، ومُحاولاتِ الإقناعِ واللَّاجدوى من كل شيء: فاصلة، لا تجمعُ بين رأسينِ يُجاورانِها. تعلمينَ كيف تبدُو المغاربُ في عيني الحزينِ الموجُوع؟ وكيف تضِنُّ السَّماءُ بزُرقتِها ورحابتِها على قُلوبِ الحائرين! هل حدثتكِ عن الحَيرة؟ الأمرُ الذي يتعدَّى وقوفنا أمامَ لوحتينِ أيتهما أجمَل! الأمر الذي يُجاوُز كلَّ أحلامِ البُسَطاء والخياراتِ المحدَّدةِ لهم سلفاً في الحياة. الأمر الذي نقفُ عندهُ الآن، وتعجزُ أيادينا عن بسطِ مُحتواه، أسبابه، ختامه... في الحياة: كلُّ الأمورِ تؤولُ إلى مُنتهاها، ومُنتهى العزمِ سيؤرِّقك، سيؤرق كلانا، سنُغلق على مداركِ الخيال، سنحجُرُها بمسافاتٍ ضيّقة، حتى لا نبكي. غُلِّق قلبكِ من لَّدُنِ السَّماء، وأوحَى الغيمُ إليكِ بمطرٍ لا يصل، بمطرٍ لا يهطلُ إلا حيثُ ما أغنى عنه. هذا النسيمُ يخيفني، يُحرِّك عمْداً كلَّ الأحاسيس التي تجاهلناها ونحنُ نُحضِّر لمفاجأةٍ ما، ثم؛ هاهي المفاجأة. وقفتْ بأبهاها لِعينيك، ثم حديثك المُتواصل عنها، ثمَّ جوارَ منامي الآن. ثمَّ، ليست تعلمُ إلى أين وجهتها! الذين اتخذناهُم سِخريًّا وظلَّلنا عليهمُ الغمَام غَصَّوا بالدَّمعِ والفاجعة، وغصَصْنا نحنُ بالانتِهاك، والتردُّد، والموتِ على بوابَةِ الشَّمسِ المُنطفِئة. مُتُّ أنا لوحدِي، يا صديقتي، مُتُّ أنا لوحدِي. كان صوتاً مُشذَّبَ الأطراف، قُدَّ من ندامةِ الحواس، أُعييتُ، أُفنيتُ لأُسكِتَه. بدأَ بخيالٍ عابر، ثم نُكتة اخترقتْ بابَ التجربة، ثم عزمٍ لم يبلغ القمَّة بعد. وها نحن! ليسَ بملْكِنا خطْوَ الأدبارِ والتولِّي. الحَيْرة: بابُ الله المُوارَب، خطوةٌ للأمام واثنتينِ للخلف، سكتةٌ لطيفة، إغماءَة، حُلولٌ تتناسلُ كأعدادٍ فرديَّة، وخياراتٌ تشبهُ بعضها، خياراتٌ تُصيب العُمق إلا قليلاً. مُشكلة الحُبِّ العابر، وأقولُ "عابر" لأنَّا غداً سنروي التفاصيلَ التي أخفتْها إحدانا عن الأُخرى ونحنُ نبتسم، ونحن نُصلي، ونحن نتحدَّث كنساءِ الضُّحى مُجتمعات. أعودُ لأقول: مشكلة الحُبِّ العابر أنَّ الأيامَ لا تُنسينا إيَّاهُ أبداً، وتظلُّ تُعلِّق على مقابضِ أبوابِها كلَّ انفعالاتِنا وتحدِّياتِنا وحتى الخسارات التي ما كانت لتُغني لو أنَّا ربحناها.. هل نعبرُ من فوق الإرادة، العُرف، الضَّمائر الخائرَة؟ هل نرسلهُ طرداً بريدياً وننتظرُ أوانَ استلامِه؟ أم نقفْ وننظرُ السَّاعةَ وحديثَ الأبرياءِ الذين وجدونا فجأةً نُغنِّي بغرابةٍ لم يعرفونا بها! الخطوةُ الأخيرة، المُباركة لربما. الميتةُ غالباً، المُميتة، التي نندمُ بعدها أحيانا، المرهقة، الجبَّارة، الغير مُعتادة، التي سنُفكر في احتماليَّة سقطِها كثيراً، المُفزِعة، تشحذُ كل النِّداءات. يا أنواءَ السَّماء: انخفضي، قاربي هذا الدَّمع وسدِّدي، قبل أن يشيخَ ارتباكُنا، قبل أن ينامَ الحُلم في أكمامِنا ثم لا يصحو. قبل أن يُفجِعنَا سباقُ الأيَّام، وتهبط الحُرقة من سقفِ التأنِّي واليومياتِ الضائعة. الندمُ موتْ، وأناملٌ أصابها لهبُ النَّار، ودوَّامةُ غرقٍ لها صوتْ. الآنَ أهجس: هل ثمَّة من استحق؟ الكاتبة / أماني أحمد