هي التعبُد لله بغير ما شرع الله، وبما ليس عليه النبي- صلى الله عليه وسلم-، فكل ما أُحدث في الدّين وهو ليس منه فهو مبتَدَع، سواء كان ذلك التعبد فيما يتعلق بأسماء الله وصفاته، أو فيما يتعلق بأحكامه وشرع «قولية اعتقادية أو عملية تعبدية» والمُبْتدِع في الشريعةِ مبدّلٌ لها، وقد عَرَّفَها العلماء بعدة تعاريف، أمثلها تعريف الشاطبي - رحمه الله تعالى- في كتابه الاعتصام بقوله :»البدعة طريقة في الدين مخترعة، يُضاهى بها الطريقة الشرعية» يَعني أن أصحابها جعلوا البدعة طريقاً ملتزماً، والالتزام ضابط مهمٌ في وصف البدعة، وهي أمرٌ محرمٌ وظلال، فالأصل في العبادةِ التوقيفِ والاقتصار على ما شرعه الله سبحانه في قوله تعالى: ِ(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا). والكلام عن البدع متعلق بهذه الآية العظيمة التي نزلت على النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم الجمعة في حجة الوداع، في عرفة، ويوم الجمعة يوم عيد، ويوم عرفة يوم عيد، وهي آية عظيمة، ذاك أن الله سبحانه وتعالى أكمَل لنا الدّين، وأتمّ علينا النعمة، فليس في الدّين مجال للزيادة من جهة التعبد، ومن زَعم أن في الدّين بدعة حسنة، فإنه يزعم أن ثمة أمرا من أمور الخير لم يدلنا عليه النبي - والعياذ بالله - بينما وُصِفَ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه (لا خير إلا دلَّ الأمة عليه، ولا شرّ إلا حذّرها منه)، بل إنه عليه أفضل الصلاة والسلام يقول في رواية مسلم التي علَّقها البخاري في صحيحه: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌ» وكان عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ يُكثِر من تَعْليم أصحابِه خطبةَ الحاجة، وفيها إنّ أحسنَ الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد بن عبد الله، وشرّ الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. وأن الناظرَ في البِدع وأهلها، يلحظُ أنّ من أشدّ أسباب ظهورها، الجَهلُ بأحكام الدّين، واتباع الهَوى، والتعصب للآراءِ والرجالِ الذين ليسوا على عقيدةٍ سليمة، الذين يركبون المشتبهاتِ ، يخاصمون عليها ويجادلون، لينصروا ما هم عليه من أمرٍ ليس له من الدّين في شيء، وهم يقولون ما أردنا إلاَّ الخير، ولكن ليس كل مريدٍ للخير محصلاً له، إلاّ أن يكون ذلك الخير وفق السنة المطهرة، فالسبل كثيرة، والصراط المستقيم واحد. ومن أعظم أبواب الجهاد البعد عن الذين تجاوزوا وجادلوا في تحسين صور البدع، وأهلها، وطرقهم، لما فيه من الذبّ عن دين الله وحمايته من العقائد الفاسدة، التي ما رأينا منها إلاَّ الرايات الفاسدة والشارات الملوثة بالفوضى، والتوطئة لبعثرة بلدان المسلمين بلا حياء، ولا سمت، ولا هوادة. والخلاصة أنّ البدعةَ مرضٌ لا يُرجَى بُرؤه إلاّ أن يشاء الله، وهي أحبُّ إلى إبليس من المعصيةِ، ولا تُقَاوم ولا تُلجَم إلاّ بلجام الشرع الحنيف، فكلَّما فُقِد العلم والعلماء، ظَهَرت البِدع، ونَشُط أهلها، وانتشرت كالنارِ في الهشِيم، وكثير من البِدع التي أُحدِثت في الدِين، إنما أُخذت من الكفَّار على اختلاف مشاربهم، إمَّا من كتبهم أو منهم مشافهة بالاختلاط، والموقف منها صريحٌ وواضحٌ، وهو التحذيرِ من كل صورها، والحرصِ الشديدِ على التمسكِ والاعتصامِ بالسنةِ، ذاكَ لأنها من تحقيقِ شهادة أنّ محمداً رسولُ الله، فالشهادة تقتضي بأن لا يُعبد اللهَ إلاَّ بما شرعه رسولُه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّم - فالله الله عباد الله، الله الله بالسنة، الله الله في الالتزام بها، الله الله في الحذر من البدع, والإنكار على أهلها، الله الله بالمجاهدة في ذلك، فإنها من تقوى القلوب، والله المعين. وصلّى الله وسلّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.