تناقلت الكثير من وسائل الإعلام الاتفاق شبه النهائي الأخير بين الغرب بقيادة الولاياتالمتحدةالأمريكية والاتحاد الأوروبي من جهة وإيران من جهة أخرى وتأثيره المُتوقع على أسعار البترول في الأسواق العالمية بسبب تخفيف الحصار الاقتصادي التدريجي على الصادرات والشركات الإيرانية. المعروف أن إيران أحد أعضاء منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) حيث تشارك بحصة إنتاج تصل إلى 4 ملايين برميل في اليوم تقريباً بحسب آخر توزيع حصص الإنتاج لعام 2007م لدول المنظمة. نتيجةً للملف النووي الإيراني الشائك الذي كان حديث الساحة السياسية الغربية في السنوات الماضية، وكما تشير بعض التقارير بأن إيران فقدت بسبب الحصار النفطي 1.5 مليون برميل في اليوم من النفط المُصدر للخارج حيث انخفضت الكميات المصدرة إلى 2.1 مليون برميل في اليوم عام 2010م بحسب ما ذكرته إدارة الإحصاء التابعة لوزارة الطاقة الأمريكية، وثم نزولاً إلى 1.1 مليون برميل في اليوم عام 2013م. بل إن بعض التقارير تشير إلى انخفاض ذلك إلى رقم يصعب علينا تصديقة وهو 750 ألف برميل في اليوم فقط لشهر أكتوبر الماضي! إن كانت هذه التقارير صحيحة -وأنا أشك في صحتها- فقد ساعد ارتفاع إنتاج الولاياتالمتحدةالأمريكية من النفط الصخري ورفع الإنتاج في بعض الدول الرئيسة في منظمة أوبك للحد من تأثير ذلك الانخفاض على الأسعار في الأسواق العالمية. أعتقد أن إيران نجحت في كسر الحصار وتصدير شحنات كبيرة من نفطها إلى الشرق الأقصى بصورة سرية مما جعل الكثير من مشتري النفط الإيراني في الصين ودول شرق آسيا ينتظرون بشغف لمعرفة المزيد من التفاصيل عن التخفيف الجزئي للعقوبات المالية، والتي منعت الشركات من التعامل مباشرةً مع البنك المركزي الإيراني، وبالتالي من تسديد دفعات شراء النفط الإيراني بشكل مباشر بدلاً من الطرق غير المباشرة المتبعة حالياً. وعندما نحلل الكثير من هذه المقالات نجد أن هناك الكثير من المبالغة غير المبررة وتوقعات انخفاض أسعار البترول بسبب شبه زوال مخاوف الضربة العسكرية الغربية لإيران واحتمال ارتفاع إنتاج إيران النفطي قريباً من معدلاته السابقة. كما إني أرى أن تأثير هذا الاتفاق على أسعار النفط على المدى القريب سوف يكون هامشياً وذلك لما يسببه هذا الاتفاق من تأثير نفسي على صناع السوق والمضاربين يختفي سريعاً لعدم وجود سبب مقنع متعلق بزيادة إمدادات النفط الإيراني في الأشهر القليلة القادمة. فمثلاً عندما نرى ردة فعل السوق النفطية بعد الإعلان عن الاتفاق نجد أن سعر خام برنت الأوروبي في التعاملات الإلكترونية يوم الأحد انخفض إلى 108.5 دولار للبرميل (- 2.5$) ومن ثم وخلال يومين فقط رجع السعر لمعدلاته السابقة حيث أقفل مزيج برنت يوم الثلاثاء على 110.8 دولار للبرميل وكأن شيئاً لم يحصل. أما على المدى المتوسط، فهناك من يعتقد أن إيران كانت وما زالت تنتج نفطاً بكميات أكبر مما تشير إليه بعض التقارير من خلال تهريب كميات كبيرة بشكل سري لمشترين في دول شرق آسيا لوجود طلب على نفطها خصوصاً من دول شرق آسيا والهند. كما أن منظمة أوبك تتيع إستراتيجية ناجحة تتعلق بمقدرتها على تغيير إستراتيجياتها الإنتاجية لتحقيق توازن بين العرض والطلب بشكل سريع، وذلك بخفض الإنتاج من بعض الدول الرئيسة إذا ما دعت الحاجة لذلك، خصوصاً إذا نجحت إيران في رفع إنتاجها إلى معدلات عالية مقارنة بإنتاجها الحالي، وإذا تم رفع الحظر الغربي بشكل نهائي. كما أعتقد أن الأسعار لن تنخفض بشكل كبير تحت ال 100 دولار للبرميل مهما كانت الظروف، وذلك لأهمية الأسعار العالية فوق ال 100 دولار للبرميل لاستمرار إنتاج النفط الصخري الأمريكي عالي التكلفة. أما على المدى البعيد فهناك من يعتقد أن إيران غير جادة في اتفاقها مع الغرب، وما هذا الاتفاق الأخير إلا أحد ألاعيبها لاكتساب مزيد من الوقت إلى أن يتم اكتمال قدرتها النووية التي بلا شك سوف تستخدمها لتحقيق مطامعها المعلنة في المنطقة. فإلى متى سوف تستطيع إيران خداع العالم؟ متى سيكتشف العرب والغرب أن البرنامج النووي الإيراني ذا أهداف بعيدة المدى لتحقيق أهدافها الإستراتيجية خصوصاً في منطقة الخليج؟ والأسوء من ذلك إذا كانت أمريكا والاتحاد الأوروبي يعلمون بهذه النوايا الإيرانية ويغضون البصر عنها بالرغم من مصالحهم الإستراتيجية في منطقة الخليج العربي.... فنجد مثلاً جون كيري وزير خارجية أمريكا يقول «إن مرحلة الستة الأشهر الأولى من الاتفاق سوف تحسن أمن حلفاء الولاياتالمتحدةالأمريكية في المنطقة في حين بُذلت جهود للتفاوض على اتفاق أكثر شمولاً». وأنا هنا لا أعلم بما يقصده بكلمة حلفاء... هل هي الكيان الصهيوني أم دول الخليج العربي أم كلاهما؟ فهذه الدول لن تقف مكتوفة الأيدي عندما تتضح لديها الصورة ويتأكد لديها استمرار إيران في بناء قدرتها الإنتاجية للسلاح النووي، وعندها سوف يحدث تسابق لامتلاك السلاح النووي في منطقة الشرق الأوسط مما سوف يؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط على المدى البعيد بدلاً من انخفاضه. أختم هذا المقال بدعاء الله سبحانه وتعالى أن يحفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا وعن أيماننا وشمائلنا، ومن أراد بنا وبأمننا سوءاً يجعل تدبيره تدميره، إنه سميع مجيب.