كثر في الآونة الأخيرة الحديث عن ماتقدمه البرامج الرياضية، حيث يصف البعض بأن ماتقدمه مجرد تهريج وتهييج للجماهير الرياضية، وتسبب حالة من الاحتقان مابين الأندية الرياضية وما بين الجماهير، خاصة وإن بعض الذين تستضيفهم تلك القنوات لا يملكون رسالة الإعلام الهادفة والحقيقية، وكل مايملكونه هو الإثارة المبتذلة، وجلبهم للبرامج يعود في أغلب الأحيان إلى انتمائهم المعلن، فيما يصف البعض بأن البرامج الرياضية تطورت وتحسنت، وما بين هذين الرأيين تقف (الجزيرة) على هذه القضية المهمة وتناقشها مع عدد من المختصين على عدة أجزاء، نبدأ اليوم بالجزء الأول مع الدكتور أسامة النصار أستاذ الإعلام بجامعة الملك سعود، والزميل محمد البكر نائب رئيس تحرير صحيفة اليوم، والدكتور صالح الحمادي الكاتب الرياضي والاجتماعي، والزميل عايض الحربي رئيس القسم الرياضي بصحيفة الرياض. النصار: برامج جيدة وأخرى سيئة البداية كانت مع الدكتور أسامة النصار أستاذ الإعلام بجامعة الملك سعود والذي أكد أن هناك برامج جيدة وبرامج أخرى سيئة، وقال:»لو تحدثنا عن الصحافة الرياضية بشكل عام سواء التلفزيون أو الصحافة الورقية أو الإلكترونية فهي واحدة من أنجح أنواع الصحافة، ولكن يعاب على البعض عدم إتقان بعض الجوانب المهنية، ويكثر فيها الإساءات، وتطغى فيها الانتماءات في بعض الأحيان». وأضاف النصار:»هناك أناس دخلوا في مجال الصحافة الرياضية لأهداف خاصة وانتماءات أكثر من أنها أهداف مهنية، ولكن من الصعب أن نظلم الجميع ونقول أن جميع البرامج سيئة، فهناك برامج جيدة تحافظ على قدر جيد من الحياد». وأشار الدكتور النصار إلى أن الوعي لدى المتلقي أرتفع بحيث يعي البرنامج الذي يزيد من جرعات التشجيع أكثر من تقديم الحلول والأفكار الجيدة، وقال:»بعض البرامج وللأسف الشديد أصبحت مقلدة وعبارة عن تهريج، صحيح أن الرياضة متعة وترفيه ولا بد أن يطغى عليها جانب الإثارة ولكن بحدود، حيث لا بد من تقديم المادة المهنية، وعلى البرامج أن تتبع الأساسيات الواضحة للإعلام». وشدد النصار على أن البرامج الرياضية التي ترفع من وعي وثقافة المتلقي قليلة جدا، وقال:»هناك برامج قليلة تقدم مادة مميزة وقصة إخبارية جيدة وتقدم تقارير رياضية تكشف واقع وتحاول تقديم حلول للمشكلة، ولكن بعض البرامج أصبحت مجرد تقليد وليس فيها جانب توعي جيد، وممكن يطغى عليها نوعا من الانتماءات ومحاكاة الجمهور، ومتى أصبحت أغلب برامجنا تسير بهذا الاتجاه فهذه مشكلة، ولن تكون لها قيمة». وعما إذا كان ماتقدمه البرامج الرياضية يعتبر رسالة إعلامية هادفة، قال:»المسألة نسبية متفاوتة فقد تجد في يوم ما برنامجا يقدم رسالة إعلامية هادفة، وفي اليوم التالي تجده مخفق، وفي يوم آخر يستسلم لقضية مثل ماحدث في قضية (الهتافات العنصرية) والتي تحدثت عنها بعض القنوات باستمرار، والسؤال هنا هل الهدف هو رفع الوعي أم لا؟ فإذا كان الهدف رفع الوعي فعليها أن تقدم الحلول، وتناقش القضية من كل أطرافها، وليس فقط استرجاع للتاريخ والتحدث عن نقاط معينة بدون تقديم حلول». وبين الدكتور النصار أن بعض القنوات يكون لديها قضايا خاصة فيها، وقال:»القضايا لا بد أن تكون منصبة على مايهم الجمهور، ولكن هناك قنوات يكون لها قضايا خاصة فيها وهذه مشكلة أخرى». وعرج النصار بالحديث عن مهنية تلك البرامج حيث قال:»الآن أجري دراسة عن المهنية والمؤشرات تقول بأن هناك جانبا مهنيا عاليا، والصحافيون يعتقدون بأنهم يؤدون جوانب مهنية، وهناك نسب تقول بأن هناك تقاربا في فهم بيئة الرياضة وبيئة الصحافة بشكل جيد». وتابع:»حينما نتحدث عن فهم وقدرات الإعلاميين للصحافة وأدوارها وجانب الأخلاقيات والجانب المهني فهذا جيد لديهم، ولكن حينما نأتي عند الوسط الرياضي تحديدا نرى بأن هناك نوعا من الاختلاف». وأضاف النصار: «لو أخذنا الصحافي الرياضي ووضعناه في مكان آخر لوجدناه جيدا في الجانب المهني وقد يتفوق على أقرانه، ولكن حينما تضعه في الرياضة فقد يتقمص شخصية الرياضي وتبدأ لديه الإشكاليات والتنافر مابين الجوانب المهنية والجوانب الرياضية، وقد يدخل في مسألة الانتماءات». وعن مكامن الخلل في البرامج الرياضية والحلول، قال:»من المفترض وضع ضوابط وسياسة عامة وواضحة للجميع في مسألة أسلوب وأداء البرنامج والمواد التي تقدم فيه، أيضا مسألة التوازن والحياد لا بد أن تحضر، وهذه من أهم الإشكاليات، أيضا يفترض أن لا يُسمح للأشخاص الذين لديهم توجه شخصي أو ميول شخصي، وهذا لو كان هناك توجه معروف للقنوات أو حتى للصحف لما ظهرت وطغت». واسترسل النصار قائلا:»بعض القنوات تتيح لمن ليس لديه خبرة كافية أو مؤهل لا بشكل أكاديمي ولا حتى بالممارسة، فنحن نعرف بأن الصحافة يطغى عليها جزء من الموهبة وهذا شيء جيد، وأغلب من يعمل في الصحافة الرياضية غير متخصصين في الإعلام ولكن في النهاية هم يملكون الموهبة والرغبة ولديهم فهم في أخلاقيات وأساسيات الإعلام، وهذا ليس لدينا مشكلة فيه، ولكن لا بد أن تراعى مثل هذه الأمور، حيث لا يسمح لأي شخص ليس لديه فهم كامل، أما إن وجد هذا فقد يسيء ويثير قضايا ويسبب احتقانات بين الجمهور خاصة وإن الجمهور الرياضي غالبيته شباب وفيه تعاطف واندفاع». وختم النصار حديثه قائلا:»الإثارة يفترض أن تكون متواجدة، والتشويق يفترض أن يكون متواجدا ولكنهما لا بد أن يكونا بحدود معين بحيث لا يضر بالآخرين ولا بمصالح الأندية أو اللاعبين وعوائلهم». البكر: أقل من المطلوب من جهته أكد الزميل محمد البكر نائب رئيس تحرير صحيفة اليوم أن البرامج الرياضية السعودية أقل من المطلوب، وقال:» إن كنت تقصد البرامج الرياضية في القنوات العربية بشكل عام فمن الصعب حصرها، لكن إن قصدت برامج القنوات الرياضية السعودية فهي لا زالت أقل من المطلوب، فيها اجتهادات وفيها شباب نعتز بهم ولكن تنقصهم احترافية العمل والتخصص، وأضاف البكر:» لا يمكن التعميم بالإيجاب لصالح كل البرامج كما لا يمكن نعتها بالسلبية بشكل مطلق، أقصد أن سؤالك فيه تعميم وأنا لا أحبذ التعميم المطلق. وعن مدى مهنية تلك البرامج، أوضح البكر:» كلها اجتهادات لا ترقى للعمل المهني الاحترافي كما هو حال برنامج صدى الملاعب في الإم بي سي أو في المرمى في العربية حيث تشاهد عملا احترافيا في الإعداد والتقديم واختيار الضيوف». وأشار البكر إلى أن مكمن الخلل في البرامج قائم في ثلاثة نقاط، وقال: الخلل يكمن في 3 نقاط، الأولى: الاحترافية فرغم أن لدينا شبابا متحمسا ومجتهدا إلا أنه بحاجة إلى الكثير من التدريب والدورات المهنية المتخصصة كما هو معمول به في القنوات الشهيرة. الثانية: اختيار الضيوف فللأسف بأن الأسماء المتعمقة في شئون أنديتها هي التي تتاح لها الفرص بينما تختفي الأسماء الناضجة والتي ترفض أن تزج بنفسها في هذا الأفق الضيق ولو كنت مسئولا عن الاختيار لتابعت كل الكتاب ومن يكتب عن ناديه المفضل أكثر من مقال في الأسبوع فهذا لا يستحق اختياره ليكون ضيفا على البرامج الرياضية لأنه متعصب وغير محايد. الثالثة : التوزيع العادل للبرامج بين المناطق الثلاث الرئيسية الرياض ... الدمام ... جدة بحيث تتاح الفرصة لمزيد من». الحمادي: تدور في فلك واحد من جانبه شدد الدكتور صالح الحمادي الكاتب الرياضي والاجتماعي على أن كل البرامج تدور في فلك واحد، حيث قال:» من الصعوبة وضع كافة البرامج الرياضية تحت المجهر لأن الوقت لم يعد يسعفني لمتابعتها ثم تقييمها لكن الخلفية التي أملكها سابقا تقول أن أغلب البرامج الرياضية تدور في فلك واحد وهي مستنسخة من ذاتها حتى وإن تغيرت المسميات لهذه البرامج». وتابع الحمادي:» هناك فرق بين القنوات التي تفكر في الرسالة الهادفة وبين القنوات التي تفكر في الانتشار بأي ثمن على حساب المهنية الإعلامية وبدون شك فإن البرامج الرياضية الهادفة قليلة جدا وقد يكون «الملف الأحمر» بثوبه الجديد أكثرها بريقا ولمعانا». وأشار الحمادي إلى أن البرامج الرياضية لا تمتلك من المهنية شيئاً، حيث قال:» المهنية في واد والبرامج في واد آخر ، لأن الفكر المرتبط بالألوان لا يفرز لك عملا إعلاميا مهنيا بل يفرز لك مشاحنات ومصادمات يعتقد بعض القائمين على البرامج الرياضية أنها تحقق الهدف الأساسي من التسويق وقد يكون ذلك ، لكن القيمة المهنية والمعادلة الإعلامية غير متوفرة». وختم الحمادي بتوضيح الخلل ووضع الحلول:» الخلل في تسلم قيادات لبرامج يتسلقون من خلالها للحظوة المؤقتة برؤساء الأندية وبعض الشرفيين وتتضح الرؤيا من خلال الاستضافات من خلال بوصلة هذه البرامج التي تتجه لبعض الجهات الأصلية وتهمل بقية الجهات الأصلية والفرعية وهذا جور ما بعده جور وتجني على المهنية والأمانة الملقاة على عواتق هذه القيادات التي اختارت هذه الطريق الشائكة». وأضاف:» أما الحلول فتبدأ من قيادات القنوات الرياضية بوضع الرجل المناسب في المكان المناسب والتركيز على المهنية ولغة العقل لا لغة الشارع والمدرجات والتفكير في تعددية الطرح وشمولية المنطق بدلا من نقاد الغفلة المترززين في الاستديوهات لا ينقصهم سوى تعليق نياشين وأعلام الأندية التي يميلون إليها !!!!! أعتقد أن قنواتنا الرياضية بقيادة الزميل الدكتور محمد باريان ستتجه للمهنية الحوارية من خلال برامج كبرى تقدم لنا مثلا ندوة أسبوعية يشارك فيها رموز ذات قيمة إعلامية واجتماعية وقد يفكرون في ثوب جديد يليق بهذا الزخم وهذه التطورات وكم أحلم ببرنامج مسائي يشارك فيه رموز معروفة من كافة مناطق البلاد في آن واحد لأن السعودية ليست الرياضوجدة فقط !!!. الحربي: تخلت عن أهدافها من جانب آخر أكد الزميل عايض الحربي رئيس القسم الرياضي بصحيفة الرياض أن البرامج الرياضية تخلت عن أهدافها السامية، حيث قال:» منذ أكثر من عام لم أعد أشاهد البرامج الرياضية، خصوصا بعد أن تخلت عن تقديم أهدافها السامية، وأصبحت مرتعا لتصفية الحسابات، وتأجيج التعصب وإذكاء الخصومات بشكل «مقزز»، وهذا يؤكده ما «يغرد» به مقدمو ومعدو البرامج الرياضية وهنا لا يمكن التعميم بدرجة كبيرة لكنه ينطبق على الكثير منها». وأضاف:» البرامج الرياضية باتت منفرة للكثيرين، إذ ما يطرح فيها تجاوز حدود الملعب إلى أمور شخصية وأخرى لا تمت للرياضة بصلة، فغاب النقد الهادف من البعض، وغلبت الأهواء الشخصية، وغلبت على البرامج الرياضية للأسف الرؤية قصيرة المدى، وهذا يظهر في اختيار نوعية الضيوف الذين يتم استضافتهم إلى جانب المواضيع التي يتم معالجتها». وتابع الحربي:» الانتقائية هدف واضح لكثير من البرامج، والانتقائية هنا أعني بها اختيار الأشخاص الذين يتم تصيد أخطاءهم أو تضخيم زلاتهم إن صح التعبير، والانتقائية تعني أيضا اختيار الشخصيات التي تناقش أخطاء بعض الشخصيات التي تخالفهم في الميول والاتجاه، والانتقائية تعني أيضا التركيز على قضايا هامشية لا يعود مناقشتها بالفائدة». واعتبر الحربي أن المهنية في البرامج الرياضية ماتت منذ زمن، وقال:» المهنية في البرامج الرياضية احتضرت ثم ماتت ودفنت مأسوف عليها منذ زمن، فما نشاهده اليوم لا يمت للمهنية بصلة، نظرة بانورامية فقط على البرامج في قنوات الجزيرة أو البرامج الرياضية في القنوات الرياضية المتخصصة العالمي ك ال بي بي سي وسكاي، لا يمكن أن نشاهد هذا الصياح وهذا الاحتقان وهذا التعصب، وهذه النقاشات الجدلية التي تبحث عن الإثارة دون النظر للفائدة التي يمكن أن تعود على الوسط الرياضي بأكمله أو المجتمع بصورته الأشمل». وأوضح الزميل الحربي أن الخلل في نظره يكمن في عدم وضوح أو غياب إستراتيجية كل قناة وأهدافها، وقال:» إذا كانت أهداف واستراتيجيات القناة واضحة للمعدين والمقدمين والمخرجين، وأن الخروج عن هذه الأطر سيعرض المتسبب في الإبعاد والخروج من القناة، عندها سيلتزم كل منهم بالسياسة العامة وهو ما نسميه بميثاق الشرف لكل قناة، والذي يشمل السياسات والقوانين التي تسير عليها كل قناة والضوابط التي يسير وفقها كل برنامج، أما إذا كان كل منهم يغني على ليلاه فتوقع ما تشاهده الآن من خروج عن النص». وطرح الحربي تساؤلاً حينما قال:» سؤالي يكمن في التالي: هل القنوات الرياضية التي نشاهدها اليوم وتعنى بالبرامج الرياضية لها ميثاق شرف تتقيد به؟». وعرج الحربي على الحلول المناسبة، وقال:» الحلول تكمن في تأهيل العاملين في هذه القنوات، وإيضاح السياسات العامة لقنواتهم، والاستعانة بمن سبقونا بعلم التلفزيون خصوصا في مجالات التقديم والإخراج والإعداد، وليس معقولا أن كل من هب ودب يستطيع العمل في المجال التلفزيوني، سواء أكانوا صحافيين أو شخصيات عامة لها حضورها الاجتماعي، فمقدمو البرامج هم ضيوف يدخلون عنوة لبيوتنا وإذا لم يحسنوا آداب الزيارة فسيجدوا أنفسهم ووفق نظرية الريموت كنترول خارج دائرة المنزل.