يمضي عامٌ ويأتي عامٌ، ولكن ما يُميز هذا وذاك ذكرى تحل علينا واثقة الخطى تتهادى متدثرة في ثوب مخملي أخضر كي تشعرنا بالفرح، بالود، بالقرب، بالحميمية اللا محدودة، بالتضامن، لنتذكر كل من نزفت دماؤهم، وسال عرقهم في تكاتف واضح كي يبنوا اللبنة الأولى في بناء هذا الكيان الشامخ الأبي مع موحد هذا الكيان الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن - طيّب الله ثراه -، وقدّس روحه، وجعل مثواه جنات النعيم. وفي موعد لا نخلفه، وتاريخ واضح وجلي للعيان نجد أنفسنا نتنعم بذكرى يوم مجيد، وبين أروقة تاريخ تليد، طالما ارتقبناه عاماً كاملاً من يومه إلى يومه، ومن ساعته لساعته، لنحتفل بهذا الوطن كياناً وسماء وأرضاً!! كيف لا وهو من آوانا بعد الله ليحضنا سوياً، ونلثم ترابه الطاهر طيلة الدهر!! إذن فمن حقه علينا إن لم نجعل كل أيامه فرحاً ظاهراً أن نخصص له يوماً نعطيه شيئاً ولو يسيراً من خلجاتنا، حبنا، شوقنا، حنيننا، إنها الذكرى الثالثة والثمانون لتوحيد المملكة. ومن حسن الطالع أن يأمر خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود - يحفظه الله - بأن يكون يوم الأحد الموافق 16-11- 1434ه إجازة رسمية للطلبة والطالبات في جميع المراحل التعليمية، ولكافة موظفي وموظفات قطاعات الدولة في كافة أنحاء المملكة لتكمل الفرحة، وتصبح الفرحة فرحتين!! فها هو وطني يحتفل بذكرى توحيده وانضمام أطرافه إلى أطرافه وأبعاده إلى أبعاده، تحت سقف يلفنا بغطاء أخضر مزيّن بالشهادتين. فالملك عبد العزيز - طيَّب الله ثراه - لم يكن رجلاً عادياً، فهو من صافح القبائل بيمينه في حر الصيف الصائف وتحت لهيبها، وسمومها، وفي بردها وصقيعها القارس، هذه الصحراء المترامية الأطراف، كي يأخذ منهم الطاعة والولاء والسمع، والمبايعة على كتاب الله وسنة رسوله محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم -، فكان الجميع على قدر كبير من المسؤولية، فكانت لبنة أولى لتتجلى في قلوب الثمانية والعشرين مليون سعودي!! فهي بحق كبيرة بحجم القفزة الهائلة التي كُنّا نتمناها وتحققت - بإذن الله - في خطى رائدة متواصلة. ثلاثة وثمانون عاماً من التقدم والنمو والعطاء والازدهار تمر على هذا الوطن في زمن متسارع كالحلم، ليقف على أعتاب الدول المتقدمة مضاهياً ومتنامياً ومعلناً للعالم استمرار وطن وشعب، آلى كلٌ منهما على نفسه، أن يقف مع الآخر في أفراحه وأتراحه، وما كان ذلك ليتم لولا أن قيَّض الله سبحانه له ملكاً يستحق منا كل تقدير وإجلال وإكبار، لنقف له وقفة تبجيل واحترام، إنه الملك عبد العزيز، رحمه الله، الذي جمع أطرافه من أطرافه، وجمع قلوب من عاشوا عليه ليكونوا على قلب رجل واحد، ووحد الصفوف، بعد أن كان هذا البلد يعيش حالة من الفوضى، والتناحر والسلب والنهب!! وأتى من بعده أبناؤه الميامين البررة على التوالي: الملك سعود، ثم الملك فيصل، وجاء بعده الملك خالد، تلاه الملك فهد، رحمهم الله جميعاً رحمة واسعة، وأسكنهم فسيح جناته، ثم تسنم بعد ذلك الملك عبد الله بن عبد العزيز، أيده الله وحفظه من كل مكروه، معاضداً له صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز ولي العهد وزير الدفاع - يحفظه الله -، وصاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبد العزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء والمبعوث الخاص لخادم الحرمين الشريفين سلمه الله. وتأتي هذه الذكرى العظيمة في ظروف تعيش فيها المنطقة العربية حالة من الفوضى والتناحر، في كل مكان، وما يعمله النظام السوري من قتل وإبادة وتشريد للشعب السوري العظيم لتجد المملكة - قادة وشعباً قد فردوا أجنحتهم وأيديهم لهذه الشعوب كي تخرج من محنتها، وتقف على بر الأمان - بإذن الله -. ومن هذا المنبر، وبهذه المناسبة الوطنية العظيمة لا يسعني إلا أن أبارك لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، وصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز ولي العهد، وزير الدفاع، وإلى النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء والمبعوث الخاص لخادم الحرمين الشريفين الأمير مقرن بن عبد العزيز، وإلى الأسرة المالكة الكريمة، وإلى الشعب السعودي النبيل، سائلاً المولى سبحانه أن يحفظ هذا البلد، وأن يكلأه بعنايته، وأن يديم عليه نعمة الأمن والسلام والسؤدد، ليعيش أبناؤه في رخاء وعزة ونصر - بإذن الله -.