سليمان الفليح، عرفته مبكراً شاباً يافعاً في أحد معسكرات الجيش الكويتي «مدرسة التدريب في جيوان» كنت أعمل مدرباً، وقتها كلِّفت باختيار لاعبين لفريق مدرسة التدريب، حضر أحد الرياضيين من الجماعة.. ..وأقصد بالجماعة مجموعة الشباب من أبناء البادية الذين يعملون في الجيش الكويتي، وكان معظمهم يتطوّعون كجنود تحت مسمى البدون وفق نظام «مساطر القبائل». وأبو سامي وقف ضمن صفوف قبيلة عنزة، حيث اختير ليدخل مدرسة التدريب، شاب نحيل واجه تدريب الجيش القاسي، وحين فتح باب الانخراط للرياضيين، تأملت هذا الشاب الفارع الطول، الحالم النظرات ماذا يمكن أن يشغل مركزاً في فريق كرة القدم، طلبته وبعد نقاش وجدت أن هذا الشاب يملك فكراً من الظلم أن يبقى دون أن يقف معه أحد، وأن لا يترك ليعصره تدريب الجيش. بعد التفاهم مع قائد جناح الرياضة أقنعته بندب الجندي سليمان الفليح العنزي، كاتباً للجناح وفعلاً انخرط في عمله كاتباً عسكرياً رياضياً لا يمارس من هذه الصفات شيئاً، إذ تفرَّغ لكتابة الشعر، وأظهر تفوقاً على من سبقوه من الشعراء البدو الذين كانت تعج بهم مدرسة التدريب. أنهيت تعاقدي كمدرب للرياضة في الجيش الكويتي والتحقت بجريدة السياسة الكويتية، لينضم إلينا بعد خمس سنوات الأخ سليمان الفليح إلى كوكبة كتّاب وصحفيي جريدة السياسة، حيث انضم إلى «شلة» أحمد الربعي وعبداللطيف الدعيج وباقي فرقة المشاغبين من الكتّاب، إلا أن سليمان امتاز عنهم بثباته على سلوكه كأحد صعاليك الشعراء، يقرض الشعر البدوي والشعبي، والشعر المقفى، والشعر الحر. متعدد المواهب تفوَّق في كل شيء إلا في أن يصبح ثرياً، فقد عشق الصعلكة، مقتنعاً بفلسفة اصرف ما في الجيب، وظل على هذا المنوال حتى تزوج، وبعد أن زادت كواهل الأعباء المادية بعد الزواج والأطفال الذين أصبحوا شباباً ورجالاً منهم من سلك درب أبيه كاتباً وشاعراً كالابن سامي، يعود سليمان الفليح لبلاده المملكة العربية السعودية ليحط الرحال كاتباً مميزاً يتحفنا بين الحين والآخر بقصيدة رائعة لا يكتبها إلا سليمان، وبعد أكثر من 30 عاماً ينضم سليمان إلى جريدة الجزيرة لتكون الصحبة الثالثة مع أبي سامي صحبة العسكر، وصحبة بواكير البدايات الصحفية في السياسة الكويتية، وصحبة النضج كاتباً في الجزيرة ليكون رحيله مثل بداياته مفاجئاً ومتوافقاً مع حياته، فجأة ينتقل سليمان الفليح إلى رحمة الله - إن شاء الله - دون سابق إنذار في منزله في الأردن ليودعنا كنسمة مرت في حياتنا دون أن تؤذي أحداً، بل حتى دون أن تغضب أحداً.. يمضي ذلك البدوي الفارس مذكّراً بلهجته البدوية بصعاليك الشعراء من نبلاء العرب الذين اختاروا مساواة الفقراء حياتهم. [email protected]