إن مغزى العيد نفسياً واجتماعياً واقتصادياً كبير وعظيم، بما يضيفه على القلوب من أنس وعلى النفوس من بهجة وعلى الأجسام من راحة. ففي العيد تتقارب القلوب على الود، وتجتمع على الألفة، وفي العيد يتناسى ذوو النفوس الطيبة أضغانهم فيجتمعون بعد افتراق ويتصافون بعد كدر، وفي ذلك كله تجديد للصلة الاجتماعية بين الناس. وفي العيد تذكير المجتمع بحق الضعفاء والعاجزين بحيث تشمل فرحة العيد كل بيت وتعم النعمة كل أسرة من خلال صدقة الفطر والهدايا. يقول مصطفى السباعي - رحمه الله-: من أراد معرفة أخلاق أمة فليراقبها في أعيادها، إذ تنطلق فيها السجايا على فطرتها وتبرز العواطف والميول والعادات على حقيقتها. ولا شك أن في أعيادنا بحمد الله تتسم بعض مظاهر التعاون الاجتماعي من صدقات ومبرات للبيوت الفقيرة والعائلات البائسة. بيد أن ذلك إلى حد ما قليل بالنسبة لما ينبغي أن تكون عليه أعيادنا، بالنسبة لمظاهر الترف والإنفاق الذي ننفقه على ملذاتنا وفي أسفارنا وولائمنا. فنحن نكتفي بالعطاء القليل مع استطاعتنا أن نبذل الكثير. لذا، ينبغي أن تحقق أعيادنا الأهداف والغايات المشروعة لنحقق مبدأ الأمة الخيِّرة، فلا نسرف في لهونا وفرحنا ونشعر بإخواننا المحتاجين والفقراء، ونواسي المنكوبين ونقتصد في ضحكنا ولعبنا ونتذكَّر إخواننا ومآسيهم. هل العيد فرصة للتبذير! إخواني: إن الإقبال الشديد على الطعام والشراب واللباس والحلوى والزينة والولائم والمناسبات الباذخة فيه مفاسد دينية ودنيوية فهو يفسد الجسم بالأسقام ويتلف المال ويورث الإنسان الهم بالليل والمذلة بالنهار. فما أكثر الأحداث المؤلمة والمظاهر المحزنة التي تنزل بالناس في أيام الأعياد نتيجة التسابق إلى الإسراف بأشكاله المختلفة وصوره المتنوِّعة. ونسي الناس أو تناسوا أن لهم إخواناً في ديار نائية ومناطق بعيدة، بله من يسكن بجوارهم يعانون من شظف العيش وقلة ذات اليد والمجاعة والفقر والعوز، هؤلاء هم أشد الحاجة إلى يد حنونة تساعدهم وتمسح دمعتهم وتفرح قلوبهم وتبهج أنفسهم. عليه، ينبغي أن نكف أيدينا عن التبذير المبالغ فيه في أيام الأعياد، وليكن العيد فرصة للتدبير الرشيد وكذا فرصة للمواساة والتكافل. هل العيد مناسبة للتدبير؟! إخواني: كم من أموال تُصرف في هذه الأيام على الملاهي والمناهي والملاعب والملابس والحلوى والمناسبات. وكم يتعدى المسلمون في هذه الأيام حدود الأدب بأفعال غير رشيدة وتصرفات غير سديدة. أين من كان لا يفرح بعيد ولا بغيره، إلا بما قدّمه من عمل صالح وفعل خير. حكي أن عمر بن عبد العزيز - رحمه الله- رأى ولداً له يوم عيد وعليه قميص ممزَّق، فبكى - رحمه الله- فقال له ابنه ما يبكيك يا والدي؟ قال عمر - رحمه الله-: أخشى يا بني أن ينكسر قلبك في يوم العيد إذا رآك الصبيان بهذا القميص. فقال يا أمير المؤمنين: إنما ينكسر قلب من أعدمه الله رضاه، أو عقّ أمه وأباه، وإني لأرجو أن يكون الله راضياً عني برضاك فبكى عمر، وضمه إليه وقبَّله ودعا له، فكان أزهد الناس بعده. ختاماً أقول: لا شك في أننا نستعد للعيد آباءً كنا أو أمهاتٍ، أزواجاً أو زوجات، شباناً أو شابات، ولا شك في أننا نهيئ كل ما يستلزمه العيد من لباس وأكل ولهو ولعب وسفر. فلنضف إلى ذلك كله استعداداً آخر أكرم عند الله تعالى، فنفتش عن جيراننا وحوائجهم، ونفرّج كرب إخواننا البؤساء المعدمين المشرّدين، ونعين الملهوف المحتاج، وندخل السرور على كل قلب. - المستشار وعضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية