لم يخلق الله الأرض والإنسان عبثا، ولعل الإسلام والقرآن بمضامينهما العامة، أروع توجيه رباني للاقتصاد في الحياة، والاقتصاد في الفرح والسرور وفي الحزن أيضا، ولهذا فالعيد نتيجة لقيامنا بواجب نحو الله ونحو أنفسنا وشعور إنساني ناحية الآخر، وهو تدريب نفسي وعملي للإنسان على الصبر والجوع وعلى الشعور مع الفقراء والمساكين وهو صحة وعافية، وهذا هو العيد بمعناه الروحي والإيماني. ضمن هذا المنطق فإن العيد نتيجة لدورة تدريبية وصيانه نفسية وروحية، وهو تكافل وتعاون وتراحم وهو ارتقاء روحي وإنساني وتجاوز عن الخلافات وهو تنبيه للغافلين وفيه تحلل نفسي من مظاهر الحياة اليومية المرهقة ومن عالم الماديات والانغماس بالحياة العملية اليومية، وعليه فإن الإنسان يحتاج إلى هذه الاستراحة في محطة الإيمان والإحسان الرمضانية. ولا شك أن أعيادنا تتجلى فيها الكثير من المعاني الاجتماعية والإنسانية، ففي العيد تبذل الصدقات لمساعدة الفقراء والضعفاء والمحتاجين، والتوسع في أعمال الخير، وصلة الأرحام والتراحم والتعاون والتكافل، وإخراج زكاة الفطر لتتقارب القلوب على الود ويجتمع الناس بعد افتراق، وتشمل الفرحة الجميع، حيث إن أحب الأعمال إلى الله إدخال السرور على أخيك المسلم. ولكن الأعياد في أيامنا هذه أصبحت للأسف الشديد مظهراً من مظاهر التنافس والتفاخر بين الناس في الطعام واللباس واستئجار القصور والاستراحات بأسعار باهضة الثمن لإقامة مناسبة العيد فيها، حتى اتسمت حياة الكثيرين منهم بالتكلف في ولائمهم وأصبحت كل أسرة همها أن يرى الغير ترفها وقدراتها المالية وتفاخرها حتى ولو على حساب المديونية. وفي ظل ارتفاع الأسعار وتصاعد مؤشر التضخم، يفترض التعامل مع احتياجات العيد بشكل مختلف بحيث نراجع سلوكياتنا وعاداتنا الاستهلاكية، ونعيد ترتيب الأولويات من جديد، ومن المفيد التعامل مع احتياجات العيد بإعداد ميزانية جماعية يشارك فيها جميع أفراد العائلة، بحيث تكون المصروفات واقعية وفي حدود المعقول وبذلك نوفق بين الاستهلاك والدخل، ومن جهة أخرى نتمكن من ادخار المال والاستعداد المسبق للعيد بوقت كاف. كما بجب علينا أن ندخل السعادة والفرح على أهلنا وأبنائنا وأقربائنا وأصدقائنا ومن حولنا وأن نقوم بواجباتنا نحو الفقراء والمحتاجين فأعيادنا دائما تعبر عنا في الدين والطاعة والعمل والعطاء المادي، حيث إن توزيع الصدقات ومنها زكاة الفطر وجعل الأبناء يشاركون في توصيلها لمستحقيها يجعل يوم العيد يوم فرحة وسرور للجميع ويوم عطاء للفقراء والمحتاجين. لذا فإن اقتصاديات العيد تعني إدامة الفرح والسرور ولا تعني التبذير والانفلات والخروج على القانون على أساس أن للعيد ظروفا مختلفة يتهاون فيها الآباء ويتنازلون عن المسؤولية العامة لصالح شباب قد يتسم سلوكهم وتصرفهم أحيانا بالطيش وعدم المسؤولية ولننظر إلى حوادث الطرق، والسرعة الجنونية، والاستهتار بأرواح الناس، ولكي نجعل فرحنا دائم علينا أن نمارس مسؤولياتنا دون رقابة لأن هناك رب يراقبنا دائما، جعل الله أعيادكم فرحا وسرورا وتعاونا وتكافلا وتراحما، وكل عام وأنتم بخير. [email protected] مستشار مالي - عضو جمعية الاقتصاد السعودية