شعور بالحزن يغمر النفوس المؤمنة عندما يشارف شهر رمضان على الانتهاء، وهو شعور يصعب فهمه من قِبَلْ غير المسلمين ممن لا يرون من مظاهر الشهر الفضيل سوى الامتناع عن الطعام والشراب وبعض مُتَع الحياة المادية وجوانب المعاناة التي قد يمر بها الصائم، وخاصة عندما يأتي رمضان في فصل الصيف حيث تكون ساعات النهار طويلة ودرجة الحرارة مرتفعة ولاهبة. هؤلاء يعجزون عن إدراك فلسفة الصيام التي تقوم على مبدأ تعويد الإنسان المسلم على تحمل المصاعب وترويض النفس ومشاركة الفقراء والمحرومين مشاعرهم في مواجهة أعباء الحياة. وهم لا يدركون أن التمارين الروحية الجليلة التي يقوم بها المسلم من صيام وقيام وممارسة أعمال الإحسان والتصدق والاقتراب من الآخرين والتسامح وصلة الرحم وتبادل الزيارات مع الأصدقاء والمعارف والأهل هي كلها مظاهر رمضانية مشرقة تسعد بها نفوس الصائمين الذين ارتبطوا بهذه المظاهر منذ الطفولة وينتظرون قدوم الشهر الكريم كل عام بالشوق والترقب سواء حل في فصل الصيف أو الشتاء أو في أي وقت من أوقات العام. بل أن مسلمي السعودية والخليج وبعض الدول العربية والإسلامية الأخرى ممن يقضون إجازاتهم في بلدان غير إسلامية يحرصون على العودة إلى ديارهم بمجرد حلول شهر رمضان لكي ينعموا ويتمتعوا بالمظاهر الرمضانية الروحانية والاجتماعية في بيئاتهم التي ألفوها وتعودوا عليها. وحتى الأطفال الذين لم يبلغوا سن الصيام يفرحون بقدوم رمضان وبالطقوس الرمضانية المنزلية وبالذهاب إلى المسجد لأداء صلاة التراويح مع الوالدين والإخوان والأخوات. كل شيء يتغير في رمضان، بدءا من طقوس المائدة الرمضانية والسهرات العائلية وصخب الشوارع ونداءات البائعين واختلاط ذلك كله بما تطلقه مكبرات الصوت من على المآذن من ترتيلات قرآنية خاشعة ونداءات للصلاة في تنغيم يخترق القلوب قبل المسامع كما لو أن المسلم يسمع النداء للمرة الأولى. أما غير المسلمين ممن لم يمروا بهذه التجارب الروحية العظيمة فهم لا يدركون معنى أن يحزن المسلم لانتهاء شهر رمضان، ولا يدركون أن المعاناة من الصيام كما يفهمونها هم ويتخيلونها تختلف تماماً عما يعيشه الصائم ويمر به من سعادة روحية. وداعاً رمضان! نسأل الله أن يتقبل صيامنا جميعاً وأن يعيده على الجميع وعلى الأمة بالخير والبركة، وأن يرحم جميع من رحلوا عن هذه الدنيا في شهر الصوم من الأحباب والأصحاب والأعزاء ومن عموم المسلمين. [email protected] ص.ب 105727 - رمز بريدي 11656 - الرياض **** alawajh@ تويتر