يعتقد صديقي أن العلاقة بينه وبين سائقه غير متكافئة، ويرى أنه هو الطرف الأضعف في هذه العلاقة! هو يحتاج إلى خدمات سائقه أيما احتياج، ولا يستطيع أن يتخيل كيف ستكون حياته لو أن سائقه -لا قدر الله- سولت له نفسه الهروب! لو حدث ذلك، فسوف يبحث عن سائق آخر بالإيجار، ولو خدمه الحظ ووجد سائقاً بالإيجار فسوف يكون إيجاره أضعاف راتب سائقه الحالي. هو يعرف ذلك، والأهم من هذا هو أن سائقه أيضا يعرف ذلك! ومن هنا يأتي عدم تكافؤ العلاقة بينه وبين سائقه، وهو سر أريحيته وكرمه مع سائقه، فلا يكاد السائق يطلب شيئاً إلا ويتم تنفيذه بلا سين ولا جيم، بما في ذلك زيادة راتبه من حين لآخر وتقديم سلفة يتم تناسي تسديدها من الطرفين. وعندما يأتي رمضان وموسم الحج، وتشتد الحاجة لخدمات السائق لتوصيل الأهل وإحضار المقاضي وغير ذلك، يكون صديقي على موعد مع طلبات جديدة من السائق: الذهاب إلى مكةالمكرمة في رمضان من أجل العمرة، والذهاب في موسم الحج إلى البقاع المقدسة من أجل الحج! وبالطبع لا يملك صاحبنا أن يقول لا، بل أنه لا يتردد في تقديم معونة نقدية لسائقه ويدعو الله أن يحفظه ويعيده إليه سالماً. قبل أيام روى لي صديقي ما حدث له مجدداً مع سائقه بمناسبة قدوم رمضان، فقد طلب منه السائق أن يسمح له بالذهاب للاعتمار. فرح صاحبنا هذه المرة لأنه يستطيع أن يقول لسائقه لا لسببين مقنعين وسوف يتفهم السائق ذلك لأن عدم ذهابه هذه المرة سيكون في صالحه. قال صديقي لسائقه أن الجهات الصحية عندنا تحذر من عدوى مرض الكورونا القاتل الذي قد يتعرض له المعتمرون بسبب الزحمة. لكن السائق لم يفهم المقصود بالكورونا ويبدو أنه ظن أن المقصود هو الأنفلونزا التي يُصاب بها في كل مرة يذهب للعمرة، فلم يهتم بتنبيه «كفيله» الطيب قائلاً: «ما في مشكلة بابا». عند ذلك قال صاحبي لسائقه إنه لا يستطيع أن يسمح له بالسفر بسبب الإنشاءات التي تجري لتوسعة الحرم والمطاف وأنه يخشى أن يتعرض للأذى بسبب الزحام الشديد. حاول أن يقول له بلغة شديدة التبسيط أن وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف عندنا في السعودية قد وجه خطابات لفروع الوزارة في مناطق المملكة لحث خطباء المساجد والدعاة بأن يؤجلوا العمرة والحج هذا العام بسبب الإنشاءات في الحرم. كانت المفاجأة والضربة القاضية التي انتهى معها كل حديث عندما ضحك السائق الذكي منبهاً صاحبنا أن مسجد الحي هو الذي سيتحمل مصاريف رحلة العمرة! تماماً بنفس الطريقة التي تمت في العام الماضي وفي الأعوام السابقة. أعتقد أن صديقي عرف أخيراً المعنى الفعلي والتطبيق العملي للتعبير اللغوي الفصيح حين يقول العرب:».. فألقمه حجراً». ولقد ألقمه سائقه حجراً.. يعيش و»يلقم» غيره! [email protected] ص.ب 105727 - رمز بريدي 11656 - الرياض **** alawajh@ تويتر